كره لقاء الله كره الله لقاءه " فقالت عائشة: يا رسول الله إنا نكره الموت فذاك كراهتنا لقاء الله؟ فقال عليه السلام: " لا ولكن المؤمن أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، والكافر كره لقاء الله فكره الله لقاءه وكل ذلك يدل على أن النظر والفكر في الدلائل مأمور به. واعلم أن للخصم مقامات. أحدها: أن النظر لا يفيد العلم. وثانيها: أن النظر المفيد للعلم غير مقدور. وثالثها: أنه لا يجوز الإقدام عليه. ورابعها: أن الرسول ما أمر به. وخامسها: أنه بدعة.
أما المقام الأول: فاحتج الخصم عليه بأمور: أحدها: أنا إذا تفكرنا وحصل لنا عقيب فكرنا اعتقاد فعلمنا بكون ذلك الاعتقاد علما، إما أن يكون ضروريا أو نظريا، والأول باطل لأن الإنسان إذا تأمل في اعتقاده في كون ذلك الاعتقاد علما، وفي اعتقاده في أن الواحد نصف الاثنين، وأن الشمس مضيئة والنار محرقة وجد الأول أضعف من الثاني، وذلك يدل على أن تطرق الضعف إلى الأول والثاني باطل، لأن الكلام في ذلك الفكر الثاني كالكلام في الأول فيلزم التسلسل وهو محال. وثانيها: إنا رأينا عالما من الناس قد تفكروا واجتهدوا وحصل لهم عقيب فكرهم اعتقاد، وكانوا جازمين بأنه علم ثم ظهر لهم أو لغيرهم أن ذلك كان جهلا فرجعوا عنه وتركوه وإذا شاهدنا ذلك في الوقت الأول جاز أن يكون الاعتقاد الحاصل ثانيا كذلك، وعلى هذا الطريق لا يمكن الجزم بصحة شيء من العقائد المستفادة من الفكر والنظر. وثالثها: أن المطلوب إن كان مشعورا به استحال طلبه، لأن تحصيل الحاصل محال، وإن كان غير مشعور به كان الذهن غافلا عنه، والمغفول عنه يستحيل أن يتوجه الطلب إليه. ورابعها: أن العلم يكون النظر مفيدا للعلم إما أن يكون ضروريا أو نظريا فإن كان ضروريا وجب اشتراك العقلاء فيه وليس كذلك. وإن كان نظريا لزم إثبات جنس الشيء بفرد من أفراده وذلك محال لأن النزاع لما وقع في الماهية كان واقعا في ذلك الفرد أيضا فيلزم إثبات الشيء بنفسه وهو محال لأنه من حيث أنه وسيلة الإثبات يجب أن يكون معلوما قبل. ومن حيث أنه مطلوب يجب أن لا يكون معلوما قبل، فيلزم اجتماع النفي والإثبات وهو محال. وخامسها: أن المقدمة الواحدة لا تنتج بل المنتج مجموع المقدمتين، لكن حضور المقدمتين دفعة واحدة في الذهن محال لأنا جربنا أنفسنا فوجدنا أنا متى وجهنا الخاطر نحو معلوم استحال في ذلك الوقت توجيهه نحو معلوم آخر، وربما سلم بعضهم أن النظر في الجملة يفيد العلم لكنه يقول النظر في الإلهيات لا يفيد واحتج عليه بوجهين: الأول: أن حقيقة الإله غير متصورة وإذا لم تكن الحقيقة متصورة استحال التصديق لا بثبوته ولا بثبوت صفة من صفاته. بيان الأول أن المعلوم عند البشر كون واجب الوجود منزها عن الحيز والجهة، وكونه موصوفا بالعلم والقدرة. أما الوجوب والتنزيه فهو قيد سلبي وليست حقيقته نفس هذا السلب. فلم يكن العلم بهذا السلب علما بحقيقته، وأما الموصوفية بالعلم والقدرة فهو عبارة عن انتساب ذاته إلى هذه الصفات وليست ذاته نفس هذا الانتساب فالعلم بهذا الانتساب ليس