استوجب العقاب العظيم والتحق بالشياطين. وأما في الدنيا فلأن مصالح العالم إنما تنتظم عند الإيمان بالصانع والبعث والحشر، إذ لو لم يحصل هذا الإيمان لوقع الهرج والمرج في العالم، وأما قوة البراهين فبراهين هذا العلم يجب أن تكون مركبة من مقدمات يقينية تركيبا يقينيا وهذا هو النهاية في القوة فثبت أن هذا العلم مشتمل على جميع جهات الشرف والفضل فوجب أن يكون أشرف العلوم. وخامسها: أن هذا العلم لا يتطرق إليه النسخ ولا التغيير، ولا يختلف باختلاف الأمم والنواحي بخلاف سائر العلوم، فوجب أن يكون أشرف العلوم. وسادسها: أن الآيات المشتملة على مطالب هذا العلم وبراهينها أشرف من الآيات المشتملة على المطالب الفقهية بدليل أنه جاء في فضيلة * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) و * (آمن الرسول) * (البقرة: 285) وآية الكرسي ما لم يجيء مثله في فضيلة قوله: * (ويسئلونك عن المحيض) * (البقرة: 222) وقوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين) * (البقرة: 282) وذلك يدل على أن هذا العلم أفضل. وسابعها: أن الآيات الواردة في ا لأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية، وأما البواقي ففي بيان التوحيد والنبوة والرد على عبدة الأوثان وأصناف المشركين، وأما الآيات الواردة في القصص فالمقصود منها معرفة حكمة الله تعالى وقدرته على ما قال: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * (يوسف: 111) فدل ذلك على أن هذا العلم أفضل، ونشير إلى معاقد الدلائل: أما الذي يدل على وجود الصانع فالقرآن مملوء منه. أولها: ما ذكر ههنا من الدلائل الخمسة وهي خلق المكلفين وخلق من قبلهم، وخلق السماء وخلق الأرض، وخلق الثمرات من الماء النازل من السماء إلى الأرض، وكل ما ورد في القرآن من عجائب السماوات والأرض، فالمقصود منه ذلك، وأما الذي يدل على الصفات. أما العلم فقوله: * (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) * ثم أردفه بقوله: * (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) * (آل عمران: 5، 6) وهذا هو عين دليل المتكلمين فإنهم يستدلون بأحكام الأفعال واتقانها على علم الصانع، وههنا استدل الصانع سبحانه بتصوير الصور في الأرحام على كونه عالما بالأشياء، وقال: * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * (الملك: 14) وهو عين تلك الدلالة وقال: * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (الأنعام: 59) وذلك تنبيه على كونه تعالى عالما بكل المعلومات، لأنه تعالى مخبر عن المغيبات فتقع تلك الأشياء على وفق ذلك الخبر، فلولا كونه عالما بالمغيبات وإلا لما وقع كذلك، وأما صفة القدرة فكل ما ذكر سبحانه من حدوث الثمار المختلفة والحيوانات المختلفة مع استواء الكل في الطبائع الأربع فذاك يدل على كونه سبحانه قادرا مختارا لا موجبا بالذات، وأما التنزيه فالذي يدل على أنه ليس بجسم، ولا في مكان قوله: * (قل هو الله أحد) * فإن المركب مفتقر إلى أجزائه والمحتاج محدث، وإذا كان أحدا وجب أن لا يكون جسما وإذا لم يكن جسما لم يكن في المكان، وأما التوحيد فالذي يدل عليه قوله: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * و (الأنبياء: 22) قوله: * (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * (الإسراء: 42) وقوله: * (ولعلا بعضهم على بعض) * (المؤمنون: 91) وأما النبوة فالذي يدل عليها قوله ههنا: * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فائتوا بسورة من مثله) * (البقرة: 23) وأما المعاد فقوله: * (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * (يس: 79) وأنت لو فتشت علم
(٨٨)