والجهاد مع الآباء والأمهات، وترك الأديان القديمة، والانقياد لمحمد صلى الله عليه وسلم مع شدة استنكافهم عن الانقياد له فكما أن الإنسان يبالغ في الاحتراز عن المطر الصيب الذي هو أشد الأشياء نفعا بسبب هذه الأمور المقارنة، فكذا المنافقون يحترزون عن الإيمان والقرآن بسبب هذه الأمور المقارنة، والمراد من قوله: * (كلما أضاء لهم مشوا فيه) * أنه متى حصل لهم شيء من المنافع، وهي عصمة أموالهم ودمائهم وحصول الغنائم لهم فإنهم يرغبون في الدين: * (وإذا أظلم عليهم قاموا) * أي متى لم يجدوا شيئا من تلك المنافع فحينئذ يكرهون الإيمان ولا يرغبون فيه، فهذه الوجوه ظاهرة في التشبيه. وبقي على الآية أسئلة وأجوبة. السؤال الأول: أي التمثيلين أبلغ؟ والجواب: التمثيل الثاني، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأغاليظ؛ ولذلك تراهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ. السؤال الثاني: لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك؟ الجواب من وجوه: أحدها: لأن " أو " في أصلها تساوي شيئين فصاعدا في الشك، ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك. كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن تجالس أيهما شئت، ومنه قوله تعالى: * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * ( الإنسان: 24) أي أن الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما، فكذا قوله: * (أو كصيب) * معناه أن كيفية المنافقين شبيهة بكيفتي هاتين القصتين، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك. وثانيها: إنما ذكر تعالى ذلك لأن المنافقين قسمان بعضهم يشبهون أصحاب النار، وبعضهم يشبهون أصحاب المطر، ونظيره قوله تعالى: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) * (البقرة: 135) وقوله: * (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) * (الأعراف: 4) وثالثها: أو بمعنى بل قال تعالى: * (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * (الصافات: 147) ورابعها: أو بمعنى الواو كأنه قال وكصيب من السماء نظيره قوله تعالى: * (أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم) * (النور: 61) وقال الشاعر:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر * لنفسي تقاها أو عليها فجورها وهذه الوجوه مطردة في قوله: * (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) * (البقرة: 74) السؤال الثالث: المشبه بالصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق ما هو؟ الجواب: لعلماء البيان ههنا قولان: أحدهما: أن هذا تشبيه مفرق ومعناه أن يكون المثل مركبا من أمور والممثل يكون أيضا مركبا من أمور ويكون كل واحد من المثل شبيها بكل واحد من الممثل، فههنا شبه دين الإسلام بالصيب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلق به من شبهات الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق والرعد؛ وما يصيب الكفرة من الفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق، والمعنى أو كمثل ذوي صيب، والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة: والقول الثاني: أنه تشبيه مركب، وهو الذي يشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر