وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك، في قوله: فلذلك فادع إلى معنى هذا، ويقول: معنى الكلام: فإلى هذا القرآن فادع واستقم. والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام، لأنه في سياق خبر الله جل ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد (ص) بإقامته، ولم يأت من الكلام ما يدل على انصرافه عنه إلى غيره.
وقوله: ولا تتبع أهواءهم يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكوا في الحق الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم، فتشك فيه، كالذي شكوا فيه وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدقت بما أنزل الله من كتاب كائنا ما كان ذلك الكتاب، توراة كان أو إنجيلا أو زبورا أو صحف إبراهيم، لا أكذب بشئ من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب، وتصديقكم ببعض.
وقوله: وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه. كالذي:
23669 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأمرت لا عدل بينكم قال: أمر نبي الله (ص) أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه.
والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه.
ذكر لنا أن نبي الله داود عليه السلام: كان يقول: ثلاث من كن فيه أعجبني جدا:
القصد في الفاقة والغنى، والعدل في الرضا والغضب، والخشية في السر والعلانية وثلاث من كن فيه أهلكته: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة.
واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: وأمرت لا عدل بينكم فقال بعض نحويي البصرة: معناها: كي، وأمرت كي أعدل وقال غيره: معنى الكلام: وأمرت بالعدل، والامر واقع على ما بعده، وليست اللام التي في لا عدل بشرط قال: وأمرت تقع على أن وعلى كي واللام أمرت أن أعبد، وكي أعبد، ولا عبد. قال: وكذلك كل ما طالب الاستقبال، ففيه هذه الأوجه الثلاثة.