قوله: سواء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة سواء نصبا، بمعنى: أحسبوا أن نجعلهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار قد قرأ بكل واحدة منهما أهل العلم بالقرآن صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: سواء ورفعه، فقال بعض نحويي البصرة سواء محياهم ومماتهم رفع. وقال بعضهم: إن المحيا والممات للكفار كله، قال: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم قال: سواء محيا الكفار ومماتهم: أي محياهم محيا سواء، ومماتهم ممات سواء، فرفع السواء على الابتداء. قال: ومن فسر المحيا والممات للكفار والمؤمنين، فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء ورفعه، لان من جعل السواء مستويا، فينبغي له في القياس أن يجريه على ما قبله، لأنه صفة، ومن جعله الاستواء، فينبغي له أن يرفعه لأنه اسم، إلا أن ينصب المحيا والممات على البدل، وينصب السواء على الاستواء، وإن شاء رفع السواء إذا كان في معنى مستو، كما تقول: مررت برجل خير منك أبوه، لأنه صفة لا يصرف والرفع أجود. وقال بعض نحويي الكوفة قوله: سواء محياهم بنصب سواء وبرفعه، والمحيا والممات في موضع رفع بمنزلة، قوله: رأيت القوم سواء صغارهم وكبارهم بنصب سواء لأنه يجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم، قال: وربما جعلت العرب سواء في مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون: رأيت قومك سواء صغارهم وكبارهم. فيكون كقولك:
مررت برجل حسبك أبوه، قال: ولو جعلت مكان سواء مستو لم يرفع، ولكن نجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء، لان مستو من صفة القوم، ولان سواء كالمصدر، والمصدر اسم.
قال: ولو نصبت المحيا والممات كان وجها، يريد أن نجعلهم سواء في محياهم ومماتهم.
وقال آخرون منهم: المعنى: أنه لا يساوي من اجترح السيئات المؤمن في الحياة، ولا الممات، على أنه وقع موقع الخبر، فكان خبرا لجعلنا، قال: والنصب للاخبار كما تقول: جعلت إخوتك سواء، صغيرهم وكبيرهم، ويجوز أن يرفع، لان سواء لا ينصرف.
وقال: من قال: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات فجعل كالذين الخبر استأنف بسواء ورفع ما بعدها، وإن نصب المحيا والممات نصب سواء لا غير، وقد تقدم بياننا الصواب من القول في ذلك.