اختلفوا في السبب الذي أنزل فيه، فقال بعضهم: أنزل من أجل أن النبي (ص) وأصحابه كانوا يستغفرون لموتاهم المشركين ظنا منهم أن إبراهيم خليل الرحمن، قد فعل ذلك حين أنزل الله قوله خبرا عن إبراهيم، قال: سلام عليك سأستغفر لك ربي أنه كان بي حفيا وقد ذكرنا الرواية عن بعض من حضرنا ذكره، وسنذكره عمن لم نذكره.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن علي قال: سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فقلت: أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ قال:
فأتيت النبي (ص)، فذكرت ذلك له، فأنزل الله: وما كان استغفار إبراهيم... إلى تبرأ منه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن علي: أن النبي (ص) كان يستغفر لأبويه وهما مشركان، حتى نزلت: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلى قوله: تبرأ منه.
وقيل: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة، ومعناه: إلا من بعد موعدة، كما يقال: ما كان هذا الامر إلا عن سبب كذا، بمعنى: من بعد ذلك السبب أو من أجله، فكذلك قوله: إلا عن موعدة: من أجل موعدة وبعدها.
وقد تأول قوم قول الله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى... الآية، أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله:
من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وقالوا: ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره، وأما هو حي فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا سليمان بن عمر الرقي، ثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم، فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس، فقال: كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حيا، فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه لم يدع.