وقال آخرون: معناه تبين له في الآخرة وذلك أن أباه يتعلق به إذا أراد أن يجوز الصراط فيمر به عليه، حتى إذا كاد يجاوزه حانت من إبراهيم التفاتة فإذا هو بأبيه في صورة قرد أو ضبع، فخلى عنه وتبرأ منه حينئذ. ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا حفص بن غياث، قال: ثنا عبد الله بن سليمان، قال: سمعت سعيد ابن جبير يقول: إن إبراهيم يقول يوم القيامة:
رب والدي رب والدي فإذا كان الثالثة أخذ بيده، فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن عبيدة بن عمير، قال: إنكم مجموعون يوم القيامة في صعيد واحد يسمعكم الداعي وينفذكم البصر، قال:
فتزفر جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وقع لركبتيه ترعد فرائصه. قال:
فحسبته يقول: نفسي نفسي قال: ويضرب الصراط على جسر جهنم كحد السيف، وحضر من له وفي جانبيه ملائكة معهم خطاطيف كشوك السعدان. قال: فيمضون كالبرق وكالريح وكالطير، وكأجاويد الركاب، وكأجاويد الرجال، والملائكة يقولون: رب سلم سلم فناج سالم، ومخدوش ناج، ومكدوس في النار. يقول إبراهيم لأبيه: إني آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم، فخذ بحقوي فيأخذ بضبعيه، فيمسخ ضبعا، فإذا رآه قد مسخ تبرأ منه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول الله، وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدو تبرأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدو وهو به مشرك، وهو حال موته على شركه.
القول في تأويل قوله تعالى: إن إبراهيم لاواه حليم.
اختلف أهل التأويل في الأواه، فقال بعضهم: هو الدعاء. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: الأواه: الدعاء.
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا: ثنا أبو بكر، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: الأواه: الدعاء.