وأكثرهم لا يعقلون. فقال بعضهم: المعني بالذين كفروا: اليهود، وبالذين لا يعقلون:
أهل الأوثان. ذكر من قال ذلك:
10012 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن دواد بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى: ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب قال: أهل الكتاب. وأكثرهم لا يعقلون قال: أهل الأوثان.
وقال آخرون: بل هم أهل ملة واحدة، ولكن المفترين المتبوعون، والذين لا يعقلون: الاتباع. ذكر من قال ذلك:
10013 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا خارجة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون هم الاتباع. وأما الذين افتروا، يعقلون أنهم افتروا.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن المعنيين بقوله: ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب الذين بحروا البحائر، وسيبوا السوائب، ووصلوا الوصائل، وحموا الحوامي مثل عمرو بن لحي وأشكاله، ممن سنوا لأهل الشرك السنن الرديئة وغيروا دين الله دين الحق وأضافوا إلى الله تعالى أنه هو الذي حرم ما حرموا وأحل ما أحلوا، افتراء على الله الكذب وهم يعلمون، واختلاقا عليه الإفك وهم يعمهون. فكذبهم الله تعالى في قيلهم ذلك، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا، فقال تعالى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك ويفترون على الله الكذب. وأن يقال: إن المعنيين بقوله وأكثرهم لا يعقلون هم أتباع من سن لهم هذه السنن من جهلة المشركين، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين سنوا ذلك لهم فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن، وأخبروهم أنها من عند الله كذبة في إخبارهم أفكة، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقون في إخبارهم صادقون. وإنما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله تعالى كذب وباطل. وهذا القول الذي قلنا في ذلك نظير قول الشعبي الذي ذكرناه، ولا معنى لقول من قال: عنى بالذي كفروا: أهل الكتاب، وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله تعالى على مشركي العرب، فالختم بهم