وأخيرا نقرأ في آية أخرى: والذين اهتدوا زادهم هدى (1) أي أن قطع مقدار من طريق الهداية هو شرط للاستمرار فيه بلطف البارئ عز وجل.
نستنتج من ذلك أنه لو لم تكن هناك توبة وإنابة من العبد، ولا اتباع لأوامر الله، ولا جهاد في سبيله ولا بذل الجهد وقطع مقدار من طريق الحق، فإن اللطف الإلهي لا يشمل ذلك العبد، وسوف لا يمسك البارئ بيده لإيصاله إلى الغرض المطلوب.
فهل أن شمول هؤلاء الذين يتحلون بهذه الصفات بالهداية هو أمر عبث، أو أنه دليل على هدايتهم بالإجبار؟
من الملاحظ أن آيات القرآن الكريم في هذا المجال واضحة جدا ومعناها ظاهر، ولكن الذين عجزوا عن الخروج بنتيجة صحيحة من آيات الهداية والضلال ابتلوا بمثل هذا الابتلاء و (لأنهم لم يشاهدوا الحقيقة فقد ساروا في ظيق الخيال).
إذن يجب القول بأنهم هم الذين اختاروا لأنفسهم سبيل (الضلال).
على أية حال، فإن المشيئة الإلهية في آيات الهداية والضلال لم تأت عبثا ومن دون أي حكمة، وإنما تتم بشرائط خاصة، بحيث تبين تطابق حكمة البارئ عز وجل مع ذلك الأمر.
3 2 - الإتكال على لطف الله يعتبر الإنسان كالقشة الضعيفة في مهب الرياح العاتية التي تهب هنا وهناك في كل لحظة من الزمان، ويمكن أن تتعلق هذه القشة بورقة أو غصن مكسور تأخذه الرياح أيضا مع تلك القشة الضعيفة، وترميهما جانبا، وحتى إذا تمكنت يد الإنسان من الإمساك بشجرة كبيرة فإن الأعاصير والرياح العاتية تقتلع أحيانا تلك الشجرة من جذورها، أما إذا لجأ الإنسان إلى جبل عظيم فإن أعتى الأعاصير