وفي الجانب المقابل نرى أن رجال الحق وأتباع الأنبياء والرسل لا يتغيرون إذا أقبلت عليهم النعم، ولا يهنون أو ييأسون أو يجزعون عند إدبارها، إنهم مصداق قوله تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فأربح التجارة لا تنسيهم ربهم، إنهم عارفون حق المعرفة بفلسفة النعمة والبلاء في هذه الدنيا، يعلمون أن الابتلاءات ناقوس خطر لهم، بينما النعم اختبار وامتحان إلهي لهم.
ومن الابتلاء ما يكون أحيانا عقوبة للغفلة والنسيان، والنعم لإثارة دوافع الشكر لدى العباد.
ويلفت النظر هنا طرافة الاستخدام القرآني لكلمتي " أذقنا " و " مسه " والتي تعني أنهم مع قليل جدا من إقبال الدنيا عليهم يتغيرون وينسون ويصابون بالغرور، وهؤلاء مع " مسة " قليلة من ضرر أو بلاء يصابون باليأس والقنوط.
من هنا نقف على قيمة سعة الروح، وتدفق النفس بالإيمان، واتساع آفاق الفكر، وانشراح الصدر، واستعداد الإنسان لمواجهة المشاكل والصعاب، وتحدي المزالق والأهواء، التي تعتبر جميعا من ثمار الإيمان والتقى.
يقول شهيد المحراب الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في أحد أدعيته التي تعتبر درسا لأصحابه: " نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامة وكآبة " (1).
الآية الأخيرة تتضمن الخطاب الأخير لهؤلاء، وتبين لهم - بوضوح - الأصل العقلي المعروف بدفع الضرر المحتمل، حيث تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول: قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد (2).