لذلك لا يبقى من مجال سوى أن يكون المقصود منها هو أداء الزكاة.
المشكلة الأخرى التي تواجهنا هنا، هي أن الزكاة شرعت في العام الثاني من الهجرة المباركة، والآيات التي بين أيدينا مكية، بل يذهب بعض كبار المفسرين إلى أن سورة " فصلت " هي من أوائل السور النازلة في مكة، لذلك كله - وبغية تلافي هذه المشكلة - فسر المفسرون الزكاة هنا بأنها نوع من الإنفاق في سبيل الله، أو أنهم تأولوا المعنى بقولهم: إن أصل وجوب الزكاة نزل في مكة، إلا أن حدودها ومقدارها والنصاب الشرعي لها نزل تحديده في العام الثاني من الهجرة المباركة.
يتبين من كل ما سلف أن أقرب مفهوم لمقصود الزكاة في الآية هو المعنى العام للإنفاق، أما كون ذلك من علائم الشرك، فيكون بسبب أن الإنفاق المالي في سبيل الله يعتبر من أوضح علامات الإيثار والحب لله، لأن المال يعتبر من أحب الأشياء إلى قلب الإنسان ونفسه، وبذلك فإن الإنفاق - وعدمه - يمكن أن يكون من الشواخص الفارقة بين الإيمان والشرك، خصوصا في تلك المواقف التي يكون فيها المال بالنسبة للإنسان أقرب إليه من روحه ونفسه، كما نرى ذلك واضحا في بعض الأمثلة المنتشرة في حياتنا.
بعبارة أخرى: إن المقصود هنا هو ترك الإنفاق الذي يعتبر أحد علامات عدم إيمانهم بالخالق جل وعلا، والأمر من هذه الزاوية بالذات يقترن بشكل متساوي مع عدم الإيمان بالمعاد، أو يكون ترك الزكاة ملازما لإنكار وجوبه.
وثمة ملاحظة أخرى تساعد في فهم التفسير، وهي أن الزكاة لها وضع خاص في الأحكام والتعاليم الإسلامية، وإعطاء الزكاة يعتبر علامة لقبول الحكومة الإسلامية والخضوع لها، وتركها يعتبر نوعا من الطغيان ولمقاومة في وجه الحكومة الإسلامية، ونعرف أن الطغيان ضد الحكومة الإسلامية يوجب الكفر.
والشاهد على هذا المطلب ما ذكره المؤرخون من " أصحاب الردة " وأنهم من