قد يكون السبب في ذلك أن شهادة الجلود هي أغرب وأعجب من جميع الأعضاء الأخرى، وأوسع منها جميعا، فتلك الجلود التي يجب عليها أن تذوق طعم العذاب الإلهي - قبل غيرها من الأعضاء - تقوم بمثل هذه الشهادة، وهذا الأمر محير حقا!
ثم تستمر الآية بقوله تعالى: وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون.
ومرة أخرى تضيف: وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم.
وإن سبب إخفائكم لأعمالكم هو: ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون.
كنتم غافلين عن أن الله يسمع ويرى، يشهد أعمالكم في كل حال ومكان، ويعلم أسراركم ما بطن منها وما ظهر، ثم هناك عناصر الرقابة التي ترافقكم وهي معكم في كل مكان، فهل تستطيعون إنجاز عمل مخفي عن أعينكم وآذانكم وجلودكم؟
إنكم في قبضة القدرة الإلهية وتحت نظر الشهود المستترين والظاهرين حتى أدوات ذنبكم تشهد ضدكم؟!
يروي المفسرين أن الآية أعلاه نزلت في ثلاثة نفر من كفار قريش وطائفة من بني ثقيف ذوي بطون كبيرة ورؤوس صغيرة اجتمعوا بجوار الكعبة وهم يتسارون، فقال أحدهم: أتظنون أن الله يسمع كلامنا وحديثنا هذا؟
فأجاب آخر: تكلم بهدوء واخفض صوتك، فإذا تحدثنا بصوت عال فهو (أي الله جل جلاله) يسمعه، وإذا خفضنا أصواتنا فلا يسمعنا.
فقال الثالث: إذا كان الله يسمع الكلام العالي فهو حتما يسمع الصوت الضعيف أيضا.