لا يؤمنون بهم، وإنما مفهوم الكلام رفض هؤلاء دعوة الرسل في أنهم مبلغوا رسالات الله من الأساس، حيث حملوهم على الكذب والادعاء. (ذلك فإن جملة بما أرسلتم به هي للإستهزاء أو السخرية، أو أن يكون المقصود بها هو: طبقا لادعائكم بأنكم رسل الله تبلغون عنه).
إنها نفس الذريعة التي ينقلها القرآن مرارا على لسان منكري النبوات ورسالات الله ومكذبي الرسل، من الذين كانوا يتوقعون أن يكون الأنبياء دائما ملائكة، وكأنما البشر لا يستحقون مثل هذا المقام.
مثال ذلك قولهم في الآية (7) من سورة الفرقان: وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا.
إن قائد البشر يجب أن يكون من صنف البشر، كي يعرف مشاكل الإنسان واحتياجاته ويحس آلامهم ويتفاعل مع قضاياهم، وكي يستطع أن يكون القدوة والأسوة، لذلك يصرح القرآن في الآية (9) من سورة " الأنعام " بقوله تعالى:
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا.
بعد المجمل الذي بينته الآيات أعلاه، تعود الآيات الآن - كما هو أسلوب القرآن الكريم - إلى تفصيل ما أوجز من خبر قوم عاد وثمود، فتقول: فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة.
إن هؤلاء القوم كانوا يعيشون في أرض " الأحقاف " من (حضرموت) جنوب الجزيرة العربية، وكانوا يتصفون بوضع استثنائي فريد من حيث القوة الجسمانية والمالية والتمدن المادي، فكانوا يبنون القصور الجميلة والقلاع المحكمة، خاصة في الأماكن المرتفعة حيث يرمز ذلك إلى قدرتهم ويكون وسيلة لاستعلائهم.
لقد كانوا رجالا مقاتلين أشداء، فأصيبوا بالغرور بسبب قدراتهم الظاهرية ومجدهم المادي، حتى ظنوا أنهم أفضل من الجميع، وأن قوتهم لا تقهر، ولذلك قاموا بتكذيب الرسل والإنكار عليهم، وتكالبوا على نبيهم " هود ".