وتغييرها لمصالح قضيته ودعوته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
الآن نسأل: هل كان بوسع مؤمن آل فرعون إسداء كل هذه الخدمات لدعوة موسى (عليه السلام) لو لم يستخدم أسلوب التقية؟
لذلك كله ورد في حديث عن الإمام الصادق قوله (عليه السلام): التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض، لأن مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل " (1).
إن فاعلية هذا المبدأ تكتسب أهمية استثنائية في الوقت الذي يكون فيه المؤمنون قلة خاضعة للأكثرية التي لا ترحم ولا تتعامل وفق المنطق، فالعقل لا يسمح بإظهار الإيمان (باستثناء الضرورات) والتفريط بالطاقات الفعالة، بل الواجب يقضي بكتمان العقيدة والتخفي على المعتقد في مثل هذا الوضع لكي يصار إلى تجميع الطاقات والقوى والإفادة منها لتسديد الضربة النهائية والقاصمة في الوقت والظرف المناسبين.
إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) التزم بنفسه هذا المبدأ، حينما أبقى دعوته سرية لبضع سنوات، وحينما ازداد أتباعه وتشكلت النواة الإيمانية القادرة للحفاظ على الدعوة الجديدة صدع (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمره تعالى أمام القوم.
ومن بين الأنبياء الآخرين نرى إبراهيم (عليه السلام) الذي استخدم أسلوب التقية، ووظف هذا المبدأ في عمله الشجاع الذي حطم فيه الأصنام، وإلا فلولا التقية لم يكن بوسعه أن ينجح في عمله أبدا.
كذلك استفاد أبو طالب عم الرسول من أسلوب التقية في حماية رسول الله ودعوته الناشئة، إذ لم يعلن عن صريح إيمانه برسول الله وبالإسلام إلا في فترات ومواقف خاصة، كي يستطيع من خلال ذلك لنهوض بأعباء دوره المؤثر في حفظ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيال مكائد وطغيان الشرك القرشي.