ومن يهد الله فما له من مضل.
ومن البديهي أن الضلالة لا تأتي من دون سبب، وكذلك الهداية بل إن كل حالة منهما هي استمرار لإرادة الإنسان وجهوده، فالذي يضع قدمه في طريق الضلال، ويبذل أقصى جهوده من أجل إطفاء نور الحق، ولا يترك أدنى فرصة تتاح له لخداع الآخرين وإضلالهم، فمن البديهي أن الله سيضله، ولا يكتفي بعدم توفيقه وحسب، وإنما يعطل قوى الإدراك والتشخيص التي لديه عن العمل، ويوصد قلبه الأقفال ويغطي عينيه بالحجب، وهذه هي نتيجة الأعمال التي ارتكبها.
أما الذين يعزمون على السير إلى الله سبحانه وتعالى بنوايا خالصة، ويخطون الخطوات الأولى في هذا المسير، فإن نور الهداية الإلهية يشع لينير لهم الطريق، وتهب ملائكة الرحمن لمساعدتهم ولتطهير قلوبهم من وساوس الشياطين، فتكون إرادتهم قوية، وخطواتهم ثابتة، واللطف الإلهي ينقذهم من الزلات.
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن المجيد كشاهد على تلك القضايا، وما أشد جهل الذين فصلوا بين مثل هذه الآيات وبقية آيات القرآن واعتبروها شاهدا على ما ورد في المذهب الجبري، وكأنهم لا يعلمون أن آيات القرآن تفسر إحداها الأخرى. بل إن القرآن الكريم بقول في نهاية هذه الآية: أليس الله بعزيز ذي انتقام وهو خير شاهد على هذا المعنى.
وكما هو معروف فإن الانتقام الإلهي هو بمعنى الجزاء على الأعمال المنكرة التي اقترفها الإنسان، وهذا يشير إلى أن إضلاله سبحانه وتعالى للإنسان هو بحد ذاته نوع من أنواع الجزاء ورد فعل لأعمال الإنسان نفسه، وبالطبع فإن هدايته سبحانه وتعالى للإنسان هي بحد ذاتها نوع أنواع الثواب، وهي رد فعل للأعمال الصالحة والخالصة التي يقوم بها الإنسان (1).
* * *