على كل حال، فقد نزل النصر والمدد الإلهي على موسى في تلك الحال، وبين له الوحي الإلهي أن النصر حليفه كما يقول القرآن: قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. إن هذه الجملة وبتعبيرها المؤكد قد أثلجت قلب موسى بنصره المحتم - فإن (إن) وتكرار الضمير، كل منهما تأكيد مستقل على هذا المعنى، وكذلك كون الجملة اسمية - وبهذه الكيفية، فقد أرجعت لموسى اطمئنانه الذي تزلزل للحظات قصيرة.
وخاطبه الله مرة أخرى بقوله تعالى: وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى.
" تلقف " من مادة " لقف " بمعنى البلع، إلا أن الراغب يقول في مفرداته: إن معناها في الأصل تناول الشئ بحذق، سواء في ذلك تناوله باليد أو الفم. وفسرها بعض اللغويين بأنها التناول بسرعة.
ومما يلفت النظر أنه لم يقل (الق عصاك) بل يقول (الق ما في يمينك) وربما كان هذا التعبير إشارة إلى عدم الاهتمام بالعصا، وإشارة إلى أن العصا ليست مسألة مهمة، بل المهم إرادة الله وأمره، فإنه إذا أراد الله شيئا، فليست العصا فقط، بل أقل وأصغر منها قادر على إظهار مثل هذه المقدرة!
وهنا نقطة تستحق الذكر أيضا وهي: إن كلمة (ساحر) في الآية وردت أولا نكرة، وبعدها معرفة بألف ولام الجنس، وربما كان هذا الاختلاف لأن الهدف في المرتبة الأولى هو عدم الاهتمام بعمل هؤلاء السحرة، ومعنى الجملة: إن العمل الذي قام به هؤلاء ليس إلا مكر ساحر. أما في المورد الثاني فقد أرادت التأكيد على أصل عام، وهو أنه ليس هؤلاء السحرة فقط، بل كل ساحر في كل زمان ومكان وأينما وجد سوف لا ينتصر ولا يفلح.
* * *