لا شك أن تعبير " مغاضبا " إشارة إلى غضب يونس على قومه الكافرين، وكان مثل هذا الغضب في هذه الظروف طبيعيا تماما، إذ تحمل هذا النبي المشفق المشقة والتعب سنين طويلة من أجل هداية القوم الضالين، إلا أنهم لم يلبوا دعوته الخيرة..
ومن جهة أخرى، فإن يونس لما كان يعلم أن العذاب الإلهي سينزل بهم سريعا، فإن ترك تلك المدينة لم يكن معصية، ولكن كان الأولى لنبي عظيم كيونس ألا يتركها حتى آخر لحظة - اللحظة التي سيعقبها العذاب الإلهي - ولذلك آخذه الله على هذه العجلة، واعتبر عمله تركا للأولى.
وهذا هو عين ما أشرنا إليه في قصة آدم (عليه السلام) من أن المعصية ليست مطلقة، بل نسبية، أو بتعبير آخر هي مصداق " حسنات الأبرار سيئات المقربين ". ولمزيد الاطلاع راجع ما ذكرناه ذيل الآية (19) وما بعدها من سورة الأعراف.
3 4 - درس مصيري جملة كذلك ننجي المؤمنين العميقة المعنى توحي بأن ما أصاب يونس من البلاء والنجاة لم يكن حكما خاصا، بل حكم عام مع حفظ تسلسل الدرجات والمراتب.
إن كثيرا من الحوادث المؤلمة والابتلاءات الشديدة والمصائب نتيجة لذنوبنا ومعاصينا، وهي سياط لتنبيه الأرواح الغافلة، أو هي مواقد لتصفية معادن أرواح الآدميين فمتى ما تنبه الإنسان إلى ثلاثة أمور [التي انتبه إليها يونس في مثل هذا الظرف] فإنه سينجو حتما:
1 - التوجه إلى حقيقة التوحيد، وأنه لا معبود ولا سند إلا الله.
2 - تنزيه الله عن كل عيب ونقص وظلم وجور، وتجنب كل سوء ظن بذاته المقدسة.