في حضرتها ويطوفون حولها، وكأنهم كانوا ملازميها دائما.
إن مقولة إبراهيم (عليه السلام) هذه في الحقيقة استدلال على بطلان عبادة الأصنام، لأن ما نراه من الأصنام هو المجسمة والتمثال، والباقي خيال وظن وأوهام، فأي إنسان عاقل يسمح لنفسه أن يوجب عليها كل هذا التعظيم والاحترام لقبضة حجر أو كومة خشب؟ لماذا يخضع الإنسان - الذي هو أشرف المخلوقات - أمام ما صنعه بيده، ويطلب منه حل مشاكله ومعضلاته؟!
إلا أن عبدة الأصنام لم يكن عندهم - في الحقيقة - جواب أمام هذا المنطق السليم القاطع، سوى أن يبعدوا المسألة عن أنفسهم ويلقوها على عاتق آبائهم، ولهذا قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين.
ولما كانت حجتهم بأن " هذه العبادة هي سنة الآباء " غير مجدية نفعا.. ولا نمتلك دليلا على أن السابقين من الآباء والأجداد أعقل وأكثر معرفة من الأجيال المقبلة، بل القضية على العكس غالبا، لأن العلم يتسع بمرور الزمن، فأجابهم إبراهيم مباشرة ف قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين.
إن هذا التعبير المقترن بأنواع التأكيدات، والحاكي عن الحزم التام سبب أن يرجع عبدة الأصنام إلى أنفسهم قليلا، ويتوجهوا إلى التحقق من قول إبراهيم، فأتوا إلى إبراهيم قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين لأن أولئك الذين كانوا قد اعتادوا على عبادة الأصنام، وكانوا يظنون أن ذلك حقيقة حتمية، ولم يكونوا يصدقون أن أحدا يخالفها بصورة جدية، ولذلك سألوا إبراهيم هذا السؤال تعجبا.
إلا أن إبراهيم أجابهم بصراحة: قل بل ربكم ورب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين.
إن إبراهيم (عليه السلام) قد بين بهذه الكلمات القاطعة أن الذي يستحق العبادة هو خالقهم وخالق الأرض وكل الموجودات، أما قطع الحجر والخشب المصنوعة فهي لا شئ، وليس لها حق العبادة، وخاصة وقد أكد بجملة وأنا على ذلكم من