النعمة العظمى والموهبة الكبرى، ومهما كلفكم ذلك من ثمن، فهو ضئيل إلى جانبها، وحقير بالنسبة إليها.
والجدير بالاهتمام - في المقام - هو أن هذه النعمة قد شرع ذكرها بكلمة " من " التي قد لا تبدو جميلة ولا مستحسنة في بادئ الأمر، ولكننا عندما نراجع مادة هذه اللفظة وأصلها اللغوي يتضح لنا الأمر غاية الوضوح، وتوضيحه هو: ان المن - كما قال الراغب في مفرداته: هو ما يوزن به، ولذلك أطلق على النعمة الثقيلة: المنة، ويقال ذلك إذا كان ذلك بالفعل، فيقال: من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة الجميلة الثمينة وهو حسن لا بأس فيه، أما إذا عظم أحد - في القول والادعاء - ما قام به من حقير الخدمات والأفعال والصنائع فهو في غاية القبح.
وعلى هذا فإن المن المستقبح هو الذي يكون استعظاما للصنائع والنعم في القول، أما المنة المستحسنة فهي بذل النعم الكبرى والصنائع العظيمة.
أما تخصيص المؤمنين بالذكر في هذه الآية في حين أن الهدف من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو هداية عموم البشر، فلأن المؤمنين هم الذين سيستفيدون - بالنتيجة والمآل - من هذه النعمة العظمى فهم الذين يستأثرون بآثارها عملا دون غيرهم.
ثم إن الله سبحانه يقول: من أنفسهم أن إحدى مميزات هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أنه من نفس الجنس والنوع البشري، لا من جنس الملائكة وما شابهها، وذلك لكي يدرك كل احتياجات البشر بصورة دقيقة، ولا يكون غريبا عنها، غير عارف بها، وحتى يلمس آلام الانسان وآماله، ومشكلاته ومصائبه، ومتطلبات الحياة ومسائلها، ثم يقوم بما يجب أن يقوم به من التربية والتوجيه على ضوء هذه المعرفة.
هذا مضافا إلى أن القسط الأكبر من برامج الأنبياء التربوية يتكون من تبليغهم