عن طريق النفاق ويتظاهرون بالإيمان بأقوالهم بينما أعمالهم ليس فيها سوى الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل.
أما هذه الطائفة الثانية فتعاملهم مع الله وحده حيث يقدمون أرواحهم رخيصة في سبيله، ولا يبتغون سوى رضاه، ولا يطلبون عزة ورفعة الإ بالله، وبتضحيات هؤلاء يصلح أمر الدين والدنيا ويستقيم شأن الحق والحقيقة وتصفو حياة الإنسان وتثمر شجرة الإسلام.
ومن هنا يتضح أن جملة والله رؤوف بالعباد بمثابة النقطة المقابلة لما ورد في الآية السابقة عن المنافقين المفسدين في الأرض فحسبه جهنم ولبئس المهاد وقد تكون إشارة إلى أن الله عز وجل في الوقت الذي هو رحيم ورؤوف بالعباد هو الذي يشري الأنفس بأغلى الأثمان وهو رضوان الله تعالى عن الإنسان.
ومما يستلفت النظر أن البائع هو الإنسان، والمشتري هو الله تعالى، والبضاعة هي النفس، وثمنها هو رضوان الله تعالى، في حين نرى في موارد أخرى أن ثمن مثل هذه المعاملات هو الجنة الخالدة والنجاة من النار، من قبيل قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون (1).
ولعله لهذا السبب كانت (من) في الآية مورد البحث تبعيضية (ومن الناس)، يعني أن بعض الناس يستطيعون أن يقوموا بمثل هذه الأعمال الخارقة بحيث لا يطلبون عوضا عن أرواحهم وأنفسهم سوى رضوان الله تعالى، وأما في الآية (111) من سورة التوبة التي ذكرناها سابقا رأينا أن جميع المؤمنين قد دعوا إلى التعامل والتجارة مع الله تعالى في مقابل الجنة الخالدة.