في الإجابة على هذا السؤال لابد من القول: بأن الأبحاث السابقة قد أوضحت أن لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرحلتين: المرحلة الأولى: وهي المرحلة العمومية، وهي ذات إطار محدود لا يتجاوز التذكير، والعظة، والاعتراض، والنقد وما شابه ذلك، ولا شك أن المجتمع إذا أراد أن يكون حيا لابد أن يشعر أفراده جميعا بمثل هذه المسؤولية تجاه المفاسد، وبمثل هذا الشعور تجاه المنكرات.
وأما المرحلة الثانية التي تختص بجماعة معينة وخاصة، وتكون من شؤون الحكومة الإسلامية فهي أوسع إطارا، وأكبر مسؤولية، وأكثر قوة، بمعنى أن الأمر إذا تطلب استخدام القوة، وحتى إجراء القصاص وإجراء الحدود كان من صلاحيات هذه الجماعة أن تقوم به تحت نظر الحاكم الشرعي، ومسؤولي الحكومة الإسلامية، وهذا القسم هو الذي يقع بسببه الهرج والمرج لو أنيط إلى كل من هب ودب، دون القسم الأول الذي لا يتجاوز النصح والتذكير، والاعتراض والإعراض.
إذن فبملاحظة المراحل المختلفة في هذه الوظيفة الدينية، وما لكل واحدة منها من الحدود والأبعاد، فإن القيام بهذه الوظيفة لا يستوجب الهرج والمرج في المجتمع، بل يخرج المجتمع من صورة الجماعة الميتة الخامدة، إلى صورة المجتمع الحي النابض، والجماعة المتحركة الصاعدة.
6 - الأمر بالمعروف غير العنف في ختام هذا البحث لابد من التذكير بهذه الحقيقة وهي أنه لابد في القيام بهذه الفريضة الإلهية السامية والدعوة إلى الحق ومكافحة الفساد من حسن النية، وسلامة الهدف، والشعور بالمسؤولية، كما يجب أن يتم بالطرق السلمية، ومن هنا لا يمكن اعتباره عملا خشنا ملازما للعنف إلا في بعض الموارد الضرورية.