ولكن لسانه كان ينطلق إذا ما شرع يسبح الله ويذكره. هذه الحالة العجيبة كانت علامة على قدرة الله على كل شئ. فالله القادر على فك لجام اللسان عند المباشرة بذكره، قادر على أن يفك عقم رحم امرأة فيخرج منه ولدا مؤمنا هو مظهر ذكر الله. وهكذا تتضح العلاقة بين هذه العلامة وما كان يريده زكريا.
هذا المضمون يرد في الآيات الأولى من سورة مريم أيضا.
وفي الوقت نفسه يمكن أن تحمل هذه العلامة معنى آخر في طياتها، وهو أن إلحاح زكريا على طلب العلامة والآية - وإن لم يكن أمرا محرما ولا مكروها - كان من نوع " ترك الأولى ". لذلك قرر له علامة، إضافة إلى ما فيها من بيان لقدرة الله، طافحة بالإشارة إلى تركه للأولى.
يتبادر هنا للذهن سؤال: أيتسق بكم نبي مع مقام النبوة وواجب الدعوة والتبليغ؟
ليس من الصعب الإجابة على هذا السؤال، إذ أن هذه الحالة لا تتسق مع مقام النبوة عند استمرارها مدة طويلة. أما حدوثها لفترة قصيرة يستطيع النبي خلالها اعتزال الناس والتوجه إلى عبادة الله، فلا مانع فيه، كما أنه خلال هذه المدة يستطيع أن يخاطب الناس بالإيماء في الأمور الضرورية، أو بتلاوة آيات الله، التي تعتبر ذكرا لله، وتبليغا للرسالة الإلهية. وهذا ما قام به فعلا، إذ كان يدعو الناس إلى ذكر الله بالإشارة.
ش واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار.
" العشي " تطلق عادة على أوائل ساعات الليل، كما يقال " الإبكار " للساعات الأولى من النهار. وقيل إن " العشي " هو من زوال الشمس حتى غروبها، و " الإبكار " من طلوع الفجر حتى الظهر.