(إذ قال ربك للملائكة) بالظاهر أن (إذ) يتعلق بقوله (يختصمون)، وإن اعترض بينهما كلام (إني خالق بشرا من طين) يعني آدم (فإذا سويته) أي: فإذا سويت خلق هذا البشر، وتممت أعضاءه، وصورته (ونفخت فيه من روحي) أي: أحييته وجعلت فيه الروح، وأضاف الروح إلى نفسه تشريفا له. ومعنى نفخت فيه أي:
توليت فعله من غير سبب وواسطة، كالولادة المؤدية إلى ذلك، فإن الله شرف آدم، وكرمه بهذه الحالة. (فقعوا له ساجدين) أي: فاسجدوا له أجمعين. وفي الكلام حذف، والتقدير: ثم إن الله تعالى خلق ذلك البشر الذي وعدهم بخلقه.
(فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) مفسر في سورة البقرة (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) هذا سؤال توبيخ وتعريف للملائكة أنه لا عذر له في الامتناع عن السجود. ومعنى قوله (لما خلقت بيدي) توليت خلقه بنفسي من غير واسطة، عن الجبائي، ومثله (مما عملت أيدينا). وذكر اليدين لتحقيق الإضافة لخلقه إلى نفسه، وهو قول مجاهد. ومثله قوله (ويبقى وجه ربك) أي: ربك. وقيل: معناه خلقته بقدرتي، عن أبي مسلم، وغيره. والعرب كما تطلق لفظ اليد للقدرة والقوة، فقد تطلق لفظة اليدين قال:
تحملت من ذلفاء ما ليس لي به، * ولا للجبال الراسيات يدان (1) وقال آخر:
أنابغ إنكم لم تبلغونا، * وما لكم بذلكم يدان وقال عروة بن حزام:
فإن تحملي ودي، وودك تفدحي، * ومالك بالحمل الثقيل يدان (2) (أستكبرت أم كنت من العالين) أي: أرفعت نفسك فوق قدرك، وتعظمت عن امتثال أمري، أم كنت من الذين تعلو أقدارهم عن السجود، فتعاليت عنه. (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فضل النار على الطين (قال فاخرج منها) أي: من الجنة (فإنك رجيم) أي: طريد مبعد (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال) إبليس عند ذلك (رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) أي: أخرني إلى يوم