(إن هو) أي: من الذي أنزلناه عليه (إلا ذكر وقرآن مبين) من عند رب العالمين، ليس بشعر، ولا رجز، ولا خطبة. والمراد بالذكر: أنه يتضمن ذكر الحلال والحرام، والدلالات، وأخبار الأمم الماضية، وغيرها، وبالقرآن: أنه مجموع بعضه إلى بعض، فجمع سبحانه بينهما لاختلاف فائدتهما. (لتنذر من كان حيا) أي: أنزلناه لتخوف به من معاصي الله من كان مؤمنا، لأن الكافر كالميت، بل أقل من الميت، لأن الميت وإن كان لا ينتفع، ولا يتضرر، والكافر لا ينتفع بدينه، ويتضرر به. ويجوز أن يكون المراد بمن كان حيا عاقلا، وروي ذلك عن علي عليه السلام. وقيل: من كان حي القلب، حي البصر، عن قتادة (ويحق القول على الكافرين) أي: يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم.
(أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعما فهم لها مالكون (71) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون (72) ولهم فيها منفع ومشارب أفلا يشكرون (73) واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون (74) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون (75) فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون (76)).
القراءة: في الشواذ قراءة الحسن، والأعمش: (ركوبهم)، وقراءة عائشة، وأبي بن كعب: (ركوبتهم).
الحجة: أما الركوب فمصدر، والكلام على حذف المضاف، والتقدير: فمنها ذو ركوبهم، وذو الركوب هو المركوب. ويجوز أن يكون التقدير: فمن منافعها ركوبهم، كما يقول الانسان لغيره: من بركاتك وصول الخير إلي على يدك. وأما ركوبتهم، فهي المركوبة كالقتوبة والحلوبة والجزورة، لما يقتب ويحلب ويجزر.
المعنى: ثم عاد الكلام إلى ذكر الأدلة على التوحيد، فقال سبحانه: (أولم يروا) معناه: أولم يعلموا (أنا خلقنا لهم) أي: لمنافعهم (مما عملت أيدينا) أي: مما ولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك في خلقه، ولم نخلقه بإعانة معين.
واليد في اللغة على أقسام، منها الجارحة، ومنها النعمة، ومنها القوة، ومنها تحقيق