بكم موضع، فاعبدوني ولا تعبدوا غيري، إن أرضي واسعة. أمر سبحانه المؤمنين إذا كانوا في بلد، لا يلتئم فيه لهم أمر دينهم، أن ينتقلوا عنه إلى غيره.
ثم خوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة فقال: (كل نفس ذائقة الموت) أي:
كل نفس أحياها الله بحياة خلقها فيه ذائقة مرارة الموت بأي أرض كان، فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت (ثم إلينا ترجعون) بعد الموت، فنجازيكم بأعمالكم.
ثم ذكر سبحانه ثواب من هاجر فقال: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) يعني المهاجرين (لنبوئنهم) أي: لننزلنهم (من الجنة غرفا) أي: علالي عاليات (تجري من تحتها الأنهار) قال ابن عباس: لنسكننهم غرف الدر، والزبرجد، والياقوت، ولننزلنهم قصور الجنة. (خالدين فيها) يبقون فيها ببقاء الله (نعم أجر العاملين) لله تلك الغرف. ثم وصفهم فقال: (الذين صبروا) على دينهم فلم يتركوه لشدة نالتهم، وأذى لحقهم، وصبروا على مشاق الطاعات (وعلى ربهم يتوكلون) في مهمات أمورهم، ومهاجرة دورهم.
ثم قال: (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) أي: وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا، عن الحسن. وقيل: معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها، وتأكل بأفواهما، عن مجاهد. وقيل: إن الحيوان أجمع من البهائم والطيور وغير هما مما يدب على وجه الأرض، لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم، والنملة، الفارة، بل تأكل منه قدر كفايتها فقط، عن ابن عباس. (الله يرزقها وإياكم) أي: يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها، ويرزقكم أيضا، فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب. وعن عطا عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل. فقال: يا ابن عمر! ما لك لا تأكل؟ فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله. قال: (لكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين). فوالله ما برحنا حتى نزلت هذه الآية: (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم). (وهو السميع العليم) أي: السميع لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم، العليم بأحوالكم، لا يخفى عليه شئ من سركم وإعلانكم.
(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن