فيكون (ذكرى) في موضع نصب، و (الدار) يجوز أن يعني بها الدنيا، ويجوز أن يعني بها الآخرة. والذي يدل على أنه يجوز أن يراد بها الدنيا، قوله تعالى في الحكاية عن إبراهيم: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)، وقوله: (وجعلنا لهم لسان صدق) فاللسان هو القول الحسن، والثناء عليه، لا الجارحة كما في قول الشاعر:
ندمت على لسان فات مني، فليت بأنه في جوف عكم (1) وكذلك قول الاخر:
إني أتاني لسان، لا أسر به، من علو، لا كذب فيه، ولا سخر (2) وقوله تعالى: (وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم وسلام على نوح في العالمين) والمعنى: أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا، فالدار في هذا التقدير ظرف، والقياس أن يتعدى الفعل والمصدر إليه بالحرف، ولكنه على ذهبت الشام عند سيبويه: " وكما عسل الطريق الثعلب " (3).
(وأما) جواز كون الدار الآخرة في قوله: (أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) فيكون ذلك بإخلاصهم ذكرى الدار، ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها ومن حسابها، كما قال: (وهم من الساعة مشفقون). فالدار على هذا مفعول بها، وليست كالوجه المتقدم. وأما من أضاف فقال (بخالصة ذكرى الدار)، فإن الخالصة تكون على ضروب، تكون للذكر، وغير الذكر. فإذا أضيفت إلى ذكرى اختصت الخالصة بهذه الإضافة، فتكون هذه الإضافة إلى المفعول به، كأنه بإخلاصهم ذكرى الدار أي: بأن أخلصوا ذكرها، والخوف منها لله، ويكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل، تقديره: بأن خلصت لهم ذكرى الدار. والدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدما من كونها للآخرة والدنيا.