ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تسلية له في تكذيب قومه إياه فقال: (ولقد أرسلنا من قبلك) يا محمد (رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات) أي: بالمعجزات والآيات الباهرات. وههنا حذف تقديره: فكذبوهم، وجحدوا بآياتنا فاستحقوا العذاب. (فانتقمنا من الذين أجرموا) أي: عاقبناهم بتكذيبهم (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) معناه: ودفعنا السوء والعذاب عن المؤمنين، وكان واجبا علينا نصرهم، بإعلاء الحجة، ودفع الأعداء عنهم. إلا أنه دل على المحذوف قوله (وكان حقا علينا نصر المؤمنين). وجاءت الرواية عن أم الدرداء أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ما من امرى مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة) ثم قرأ (وكان حقا علينا نصر المؤمنين).
ثم قال سبحانه مفسرا لما أجمله في الآية المتقدمة: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا) أي: فتهيج سحابا فتزعجه (فيبسطه) الله (في السماء كيف يشاء) إن شاء بسطه مسيرة يوم، وإن شاء بسطه مسيرة يومين، ويجريها إلى أي جهة شاء، وإلى أي بلد شاء (ويجعله كسفا) أي: قطعا متفرقة، عن قتادة. وقيل: متراكبا بعضه على بعض حتى يغلظ، عن الجبائي. وقيل: قطعا تغطي ضوء الشمس، عن أبي مسلم. (فترى الودق) أي: القطر (يخرج من خلاله) أي: من خلال السحاب (فإذا أصاب به) أي: بذلك الودق (من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) أي: يفرحون، ويبشر بعضهم بعضا به (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) معناه: وإنهم كانوا من قبل إنزال المطر عليهم، قانطين آيسين من نزول المطر، عن قتادة. وكرر كلمة (من قبل) للتوكيد، عن الأخفش.
وقيل: إن الأول من قبل الإنزال للمطر، والثاني من قبل الإرسال للرياح.
(فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض) حتى أنبت شجرا ومرعى (بعد موتها) أي: بعد أن كانت مواتا يابسة، جعل الله سبحانه اليبس والجدوبة بمنزلة الموت، وظهور النبات فيها بمنزلة الحياة توسعا. (إن ذلك لمحيي الموتى) أي: إن الله تعالى يفعل ما ترون، وهو الله تعالى، ليحيي الموتى في الآخرة بعد كونهم رفاتا (وهو على كل شئ قدير) مر معناه.
(ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون (51) فإنك لا