على الحقيقة، ولا يسعه غير ذلك. فلما أسلما أعلمه الله سبحانه أنه صدق الرؤيا بما فعله، وفدى ابنه من الذبح بالذبح.
(قال يا أبت إفعل ما تؤمر) أي: ما أمرت به (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) أي: ستصادفني بمشيئة الله، وحسن توفيقه، ممن يصبر على الشدائد في جنب الله، ويسلم لامره. (فلما أسلما) أي: استسلما لامر الله، ورضيا به وأطاعاه. وقيل: معناه سلم الأب ابنه لله، وسلم الابن نفسه لله (وتله للجبين) أي: أضجعه على جبينه، عن الحسن. وقيل. معناه وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه، فتلحقه رقة الآباء، عن ابن عباس. وروي أنه قال: اذبحني وأنا ساجد، لا تنظر إلى وجهي، فعسى أن ترحمني فلا تذبحني.
(وناديناه أن يا إبراهيم) تقديره ناديناه بأن يا إبراهيم أي. بهذا الضرب من القول (قد صدقت الرؤيا) أي: فعلت ما أمرت به في الرؤيا (إنا كذلك نجزي المحسنين) أي: كما جزيناه بالعفو عن ذبح ابنه، نجزي من سلك طريقهما في الإحسان بالاستسلام والانقياد لامر الله (إن هذا لهو البلاء المبين) أي: إن هذا لهو الامتحان الظاهر، والاختبار الشديد. وقيل: إن هذا لهو النعمة الظاهرة. وتسمى النعمة بلاء بسببها المؤذي إليها، كما يقال لأسباب الموت هي الموت، لأنها تؤذي إليه.
واختلف العلماء في الذبيح على قولين أحدهما: إنه إسحاق، وروي ذلك عن علي عليه السلام، وابن مسعود وقتادة وسعيد بن جبير ومسروق وعكرمة وعطا والزهري والسدي والجبائي. والقول الآخر: إنه إسماعيل، عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي ومجاهد والربيع بن أنس والكلبي ومحمد بن كعب القرظي. وكلا القولين قد رواه أصحابنا عن أئمتنا عليهم السلام، إلا أن الأظهر في الروايات أنه إسماعيل، ويعضده قوله بعد قصة الذبح. (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين). ومن قال: إنه بشر بنبوة إسحاق، فقد ترك الظاهر، ولأنه قال في موضع آخر: (فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) فبشره بإسحاق، وبأنه سيولد له يعقوب، فكيف يبشره بذرية إسحاق، ثم يأمره بذبح إسحاق مع ذلك؟ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " أنا ابن الذبيحين " ولا خلاف أنه من ولد إسماعيل، والذبح الآخر هو عبد الله أبوه.