نحن لنوح في دعائه أجبناه إلى ما سأل، وخلصناه من أذى قومه بإهلاكهم. وقيل:
هو على العموم أي: فلنعم المجيبون نحن لمن دعانا.
(ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) أي: من المكروه الذي كان ينزل به من قومه. والكرب: كل غم يصل حره إلى الصدر. وأصل النجاة من النجوة للمكان المرتفع، فهي الرفع من الهلاك، وأهله هم الذين نجوا معه في السفينة. (وجعلنا ذريته هم الباقين) بعد الغرق. فالناس كلهم بعد نوح من ولد نوح، عن ابن عباس وقتادة، فالعرب والعجم من أولاد سام بن نوح. والترك والصقالبة والخزر ويأجوج ومأجوج من أولاد يافث بن نوح، والسودان من أولاد حام بن نوح. قال الكلبي: لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساؤهم.
(وتركنا عليه في الأخرين) أي: تركنا عليه ذكرا جميلا، وأثنينا عليه في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فحذف، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. ومعنى تركنا: أبقينا. قال الزجاج: معناه تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة، وذلك الذكر قوله: (سلام على نوح في العالمين) أي: تركنا عليه أن يصلى عليه إلى يوم القيامة فكأنه قال وتركنا عليه التسليم في الآخرين. ثم فسر التسليم بقوله (سلام على نوح في العالمين). قال الكلبي: معناه سلامة منا على نوح، وهذا هو السلام. والمراد بقوله: (اهبط بسلام منا وبركات عليك).
(إنا كذلك نجزي المحسنين) أي: جزيناه ذلك الثناء الحسن في العالمين بإحسانه، عن مقاتل. وقيل: إن معناه مثل ما فعلنا بنوح نجزي كل من أحسن بأفعال الطاعات، وتجنب المعاصي، ونكافيهم بإحسانهم (إنه من عبادنا المؤمنين) يعني نوحا. وهذه الآية تتضمن مدح المؤمنين حيث خرج من بينهم مثل نوح (ثم أغرقنا الآخرين) أي: من لم يؤمن به، والمعنى: ثم أخبركم أني أغرقت الآخرين.
النظم: الوجه في اتصال قصة نوح والأنبياء بما قبلها، تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كفر قومه بأن حالهم معه شبيهة بحال من تقدم من الأمم مع أنبيائهم، وتحذير القوم عن سلوك مثل طريقتهم، لئلا يعاقبوا بمثل عقوبتهم.
(* وإن من شيعته لإبراهيم (83) إذ جاء ربه بقلب سليم (84) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون (85) أئفكا آلهة دون الله تريدون (86) فما ظنكم برب