المعنى: ثم أخبر سبحانه عن نفسه، بأنه ينصر رسله، ومن صدقهم، فقال:
(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) أي: ننصرهم بوجوه النصر، فإن النصر قد يكون بالحجة، ويكون أيضا بالغلبة في المحاربة، وذلك بحسب ما تقتضيه الحكمة، ويعلمه سبحانه من المصلحة. ويكون أيضا بالألطاف، والتأييد، وتقوية القلب. ويكون بإهلاك العدو. وكل هذا قد كان للأنبياء والمؤمنين من قبل الله تعالى، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم. وقد نصروا أيضا بالقهر على من ناوأهم. وقد نصروا بإهلاك عدوهم، وإنجائهم مع من آمن معهم. وقد يكون النصير بالانتقام لهم، كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل، حين قتل به سبعون ألفا. فهم لا محالة منصورون في الدنيا بأحد هذه الوجوه.
(ويوم يقوم الأشهاد) جمع شاهد مثل الأصحاب جمع صاحب، هم الذين يشهدون بالحق للمؤمنين، وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة. وفي ذلك سرور للمحق، وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم. وقيل: هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون، عن قتادة. وقيل: هم الحفظة من الملائكة، عن مجاهد، يشهدون للرسل بالتبليغ، وعلى الكفار بالتكذيب. وقيل: هم الأنبياء وحدهم يشهدون للناس، وعليهم.
ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم فقال: (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) أي:
إن اعتذروا من كفرهم لم يقبل منهم، وإن تابوا لم تنفعهم التوبة، وإنما نفى أن تنفعهم المعذرة في الآخرة مع كونها نافعة في دار الدنيا، لأن الآخرة دار الإلجاء إلى العمل، والملجأ غير محمود على العمل الذي ألجئ إليه.
(ولهم اللعنة) أي: البعد من الرحمة، والحكم عليهم بدوام العقاب (ولهم سوء الدار) جهنم نعوذ بالله منها. ثم بين سبحانه نصرته موسى وقومه، فقال:
(ولقد أتينا موسى الهدى) أي: أعطيناه التوراة فيها أدلة واضحة على معرفة الله، وتوحيده. (وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) أي: وأورثنا من بعد موسى بني إسرائيل التوراة، وما فيه من البيان (هدى) أي: هو هدى أي: دلالة يعرفون بها معالم دينهم (وذكرى لأولي الألباب) أي: وتذكير لأولي العقول، لأنهم الذين يتمكنون من الانتفاع به دون من لا عقل له. ويجوز أن يكون (هدى)، و (ذكرى) منصوبين على أن يكونا مصدرين، وضعا موضع الحال من الكتاب، بمعنى هاديا ومذكرا.