مشركين (84) فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنا لك الكافرون (85)).
المعنى: ثم قال سبحانه مخاطبا للكفار الذين جحدوا آيات الله، وأنكروا أدلته الدالة على توحيده: (ويريكم آياته) أي: ويعلمكم حججه، ويعرفكم إياها، ومنها إهلاك الأمم الماضية. ووجه الآية فيه أنهم بعد حصولهم في النعم، صاروا إلى النقم بكفرهم وجحودهم. ومنها الآية في خلق الأنعام التي قدم ذكرها. ووجه الآية فيها تسخيرها لمنافع الخلق بالتصريف في الوجوه التي قد جعل كل شئ منها لما يصلح له، وذلك يقتضي أن الجاعل لذلك قادر على تصريفه، عالم بتدبيره.
(فأي آيات الله تنكرون) هذا توبيخ لهم على الجحد. وقد يكون الانكار والجحد تارة بان يجحد أصلا، وتارة بان يجحد كونها دالة على صحة ما هي دلالة عليه. والخلاف يكون في ثلاثة أوجه: اما في صحتها في نفسها، وإما في كونها دلالة، وإما فيهما جميعا. وإنما يجوز من الجهال دفع الآية بالشبهة مع قوة الآية، وضعف الشبهة، لأمور منها: اتباع الهوى، ودخول الشبهة التي تغطي على الحجة، حتى لا يكون لها في النفس منزلة ومنها: التقليد لمن ترك النظر في الأمور ومنها:
السبق إلى اعتقاد فاسد لشبهة فيمنع ذلك من توليد النظر للعلم.
ثم نبههم سبحانه فقال: (أفلم يسيروا في الأرض) بان يمروا في جنباتها (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم) عددا (وأشد قوة) أي:
وأعظم قوة (وآثارا في الأرض) بالأبنية العظيمة التي بنوها، والقصور المشيدة التي شيدوها. وقيل: بمشيهم على أرجلهم على عظم خلقهم، عن مجاهد. فلما عصوا الله سبحانه، وكفروا به، وكذبوا رسله، أهلكهم الله، واستأصلهم بالعذاب (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) أي: لم يغن عنهم ما كسبوه من البنيان والأموال شيئا من عذاب الله تعالى وقيل: إن ما في قوله (فما أغنى) بمعنى أي. فالمعنى: فأي شئ أغنى عنهم كسبهم؟ فيكون موضع (ما) الأولى نصبا، وموضع (ما) الثانية رفعا.
ثم قال سبحانه: (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات) أي: فلما أتى هؤلاء الكفار رسلهم الذين دعوهم إلى توحيد الله، واخلاص العبادة له، بالحجج والآيات. وفي