مدبرة وتعجبه كيف ذهب على العقلاء ذلك من حالها حتى عبدوها. وما رواه العياشي بإسناده عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: والله ما كان سقيما، وما كذب، فيمكن أن يحمل على أحد الوجوه التي ذكرناها ويمكن أن يكون على وجه التعريض، بمعنى أن كل من كتب عليه الموت فهو سقيم، وإن لم يكن به سقم في الحال. وما روي أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات. قوله: (إني سقيم)، وقوله: (بل فعله كبيرهم هذا)، وقوله في سارة: (إنها أختي)، فيمكن أن يحمل أيضا علي المعاريض أي: سأسقم، وفعله كبيرهم على ما ذكرناه في موضعه، وسارة أخته في الدين. وقد ورد في الخبر: " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ". والمعاريض: أن يقول الرجل شيئا يقصد به غيره، ويفهم عنه غير ما يقصده، ولا يكون ذلك كذبا. فإن الكذب قبيح بعينه، ولا يجوز ذلك على الأنبياء، لأنه يرفع الثقة بقولهم، جل أمناء الله تعالى وأصفياؤه عن ذلك، وقوله (فتولوا عنه مدبرين) إخبار عن قومه أنهم لما سمعوا قوله (اني سقيم)، تركوه وأعرضوا عنه، وخرجوا إلى عيدهم. (فراغ إلى آلهتهم) معناه:
فمال إلى أصنامهم التي كانوا يدعونها آلهة. (فقال ألا تأكلون) خاطبها، وإن كانت جمادا على وجه التهجين لعابديها، وتنبيههم على أن من لا يتكلم، ولا يقدر على الجواب، كيف تصح عبادتها؟ وكانوا صنعوا للأصنام طعاما تقربا إليها، وتبركا بها.
فلما لم تجبه قال: (ما لكم لا تنطقون) زيادة في تهجين عابديها، كأنهم حاضرون لها أي: ما لكم لا تجيبون؟ وفي هذا تنبيه على أنها جماد لا تأكل، ولا تنطق، فهي أخس الأشياء، وأقلها. (فراغ عليهم ضربا باليمين) أي: فمال على الأصنام يضربها، ويكسرها باليد اليمنى، لأنها أقوى على العمل، عن الربيع بن أنس. وقيل: المراد باليمين القوة كما في قوله: " تلقاها عرابة باليمين) (1)، عن الفراء، وهو قول السدي. وقيل: معناه بالقسم الذي سبق منه، وهو قوله: (وتالله لأكيدن أصنامكم).
(فاقبلوا إليه يزفون) أي: أقبلوا بعد الفراغ من عيدهم إلى إبراهيم يسرعون،