عن الحسن، وابن زيد. وقيل: يزفون زفيف النعام، وهو حالة بين المشي والعدو، عن مجاهد. وفي هذا دليل أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بأصنامهم، فقصدوه مسرعين، وحملوه إلى بيت أصنامهم، وقالوا له: أنت فعلت هذا بآلهتنا؟ فأجابهم على وجه الحجاج عليهم بأن (قال أتعبدون ما تنحتون) فهو استفهام معناه الانكار والتوبيخ أي: كيف يصح أن يعبد الانسان ما يعمله بيده؟ فإنهم كانوا ينحتون الأصنام بأيديهم.
(والله خلقكم وما تعملون) أي: وخلق ما عملتم من الأصنام، فكيف تدعون عبادته، وتعبدون معمولكم؟ وهذا كما يقال: فلان يعمل الحصير، وهذا الباب من عمل فلان النجار. قال الحسن: معناه وخلق أصل الحجارة التي تعملون منها الأصنام. وهذا يجري مجرى قوله: (تلقف ما يأفكون)، وقوله. (تلقف ما صنعوا) في أنه أراد المنحوت من الجسم هنا دون العرض الذي هو النحت، كما أراد هناك المأفوك فيه، والمصنوع فيه، من الحبال والعصي، دون العرض الذي هو فعلهم. فليس لأهل الجبر تعلق بهذه الآية في الدلالة على أن الله سبحانه خالق لأفعال العباد، لان من المعلوم أن الكفار لم يعبدوا نحتهم الذي هو فعلهم، وإنما كانوا يعبدن الأصنام التي هي الأجسام وقوله. (ما تنحتون) هو ما يعملون في المعنى. على أن مبنى الآية على التقريع للكفار والإزراء عليهم بقبيح فعلهم، ولو كان معناه والله خلقكم وخلق عبادتكم، لكانت الآية إلى أن تكون عذرا لهم، أقرب من أن تكون لوما وتهجينا، ولكان لهم أن يقولوا: ولم توبخنا على عبادتها، والله تعالى هو الفاعل لذلك؟ فتكون الحجة لهم لا عليهم، ولأنه قد أضاف العمل إليهم بقوله (تعملون) فكيف يكون مضافا إلى الله تعالى؟ وهذا تناقض.
ولما لزمتهم الحجة (قالوا ابنوا له بنيانا) قال ابن عباس: بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا، وملأوه نارا، وطرحوه فيها، وذلك قوله (فألقوه في الجحيم) قال الزجاج: كل نار بعضها فوق بعض، فهي جحيم. وقيل إن الجحيم: النار العظيمة. (فأرادوا به كيدا) أي: حيلة وتدبيرا في إهلاكه وإحراقه بالنار. (فجعلناهم الأسفلين) بان أهلكناهم، ونجينا إبراهيم، وسلمناه، ورددنا كيدهم عنه. وقيل: بأن أشرفوا عليه، فرأوه سالما، وتحققوا أن كيدهم لا ينفذ فيه، وعلموا أنهم مغلوبون.