(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) هذا إخبار منه سبحانه، أن كل واحد منهم يقبل على صاحبه الذي أغواه، فيقول له على وجه التأنيب والتعنيف: لم غررتني؟ ويقول ذلك له: لم قبلت مني؟ وقيل. يقبل الأتباع على المتبوعين، والمتبوعون على الأتباع يتلاومون، ويتعاتبون، ويتخاصمون. (قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) أي: يقول الكفار لغواتهم، إنكم كنتم تأتوننا من جهة النصيحة، واليمن، والبركة، ولذلك أقررنا لكم. والعرب تتيمن بما جاء من اليمين، عن الجبائي. وقيل. معناه كنتم تأتوننا من قبل الدين، فتروننا أن الحق والدين ما يضلوننا به، واليمين عبارة عن الحق، عن الزجاج. وقيل: معناه كنتم تأتوننا من قبل القوة والقدرة، فتخدعوننا من أقوى الوجوه، ومنه قوله. (فراغ إليهم ضربا باليمين)، عن الفراء.
(قالوا) في جواب ذلك: ليس الأمر كما قلتم (بل لم تكونوا مؤمنين) مصدقين بالله (وما كان لنا عليكم من سلطان) أي: قدرة وقوة، فنجبركم على الكفر، فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم، فإنه لازم لكم، ولاحق بكم. (بل كنتم قوما طاغين) أي: خارجين عن الحق، باغين، تجاوزتم الحد إلى أفحش الظلم، وأعظم المعاصي.
(فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون (31) فأغويناكم إنا كنا غاوين (32) فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون (33) إنا كذلك نفعل بالمجرمين (34) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون (35) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون (36) بل جاء بالحق وصدق المرسلين (37) إنكم لذائقوا العذاب الأليم (38) وما تجزون إلا ما كنتم تعلمون (39) إلا عباد الله المخلصين (40).
المعنى: هذا تمام الحكاية عن الكفار الذين قالوا. (وما كان لنا عليكم من سلطان) ثم قالوا: (فحق علينا قول ربنا) أي: وجب علينا قول ربنا، بأنا لا نؤمن، ونموت على الكفر، أو وجب علينا العذاب الذي نستحقه على الكفر والإغواء. (إنا لذائقون) العذاب الذي نستحقه على الكفر أي: ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق. ثم يعترفون بأنهم أغووهم بأن قالوا (فأغويناكم) أي: أضللناكم