أن يصنع بكم مع عبادتكم غيره. وقيل: معناه كيف تظنون برب تأكلون رزقه، وتعبدون غيره. وقيل: معناه ما تظنون بربكم أنه على أي صفة، ومن أي جنس من أجناس الأشياء، حين شبهتم به هذه الأصنام؟ وفيه إشارة إلى أنه لا يشبه شيئا.
(فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) اختلف في معناه على أقوال أحدها:
إنه عليه السلام نظر في النجوم، فاستدل بها على وقت حمى كانت تعتاده، فقال: إني سقيم، أراد أنه قد حضر وقت علته، وزمان نوبتها، فكأنه قال: إني سأسقم لا محالة، وحان الوقت الذي تعتريني فيه الحمى. وقد يسمى المشارف للشئ باسم الداخل فيه، قال الله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) ولم يكن نظره في النجوم على حسب ما ينظره المنجمون، طلبا للاحكام، ومثله قول الشاعر:
إسهري ما سهرت أم حكيم، * واقعدي مرة لذاك، وقومي وافتحي الباب، وانظري في النجوم، * كم علينا من قطع ليل بهيم وثانيها. إنه نظر في النجوم كنظرهم، لأنهم كانوا يتعاطون علم النجوم، فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم، فقال عند ذلك. إني سقيم، فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه. ويجوز أن يكون الله تعالى أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل، وجعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص، أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص. فلما رأى إبراهيم تلك الإمارة قال: إني سقيم، تصديقا بما أخبره الله تعالى.
وثالثها: إن معناه نظر في النجوم نظر تفكر، فاستدل بها كما قصه الله تعالى في سورة الأنعام على كونها محدثة غير قديمة، ولا آلهة، وأشار بقوله (إني سقيم) على أنه في حال مهلة النظر، وليس على يقين من الأمر، ولا شفاء من العلم. وقد يسمى الشك بأنه سقم، كما يسمى العلم بأنه شفاء. وإنما زال عنه هذا السقم عند زوال الشك، وكمال المعرفة، عن أبي مسلم. وهذا الوجه ضعيف، لان سياق الآية يمنع منه، فإن قوله (إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون) إلى هذا الموضع من قصته، يبين أنه عليه السلام لم يكن في زمان مهلة النظر، وأنه كان كامل المعرفة، خالص اليقين والبصيرة. ورابعها: إن معنى قوله (إني سقيم): إني سقيم القلب، أو الرأي، حزنا من إصرار القوم على عبادة الأصنام، وهي لا تسمع ولا تبصر، ويكون على هذا معنى نظره في النجوم: فكرته في أنها محدثة، مخلوقة،