يجوز على وجه البداء وهو أن يأمر الله عز وجل عندهم بالشئ ولا يبدو له، ثم يبدو له فيغيره، ولا يريد في وقت أمره به أن يغيره هو ويبدله وينسخه، لأنه عندهم لا يعلم الشئ حتى يكون، إلا ما يقدره فيعلمه علم تقدير، وتعجرفوا فزعموا أن ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة) وأظن أنه عنى بهذا أصحابنا الإمامية، لأنه ليس في الأمة من يقول بالنص على الأئمة عليهم السلام سواهم فإن كان عناهم فجميع ما حكاه عنهم باطل وكذب عليهم، لأنهم لا يجيزون النسخ على أحد من الأئمة (ع) ولا أحد منهم يقول بحدوث العلم وإنما يحكى عن بعض من تقدم من شيوخ المعتزلة - كالنظام والجاحظ وغيرهما - وذلك باطل وكذلك لا يقولون: ان المتأخر ينسخ المتقدم إلا بالشرط الذي يقوله جميع من أجاز النسخ، وهو أن يكون بينهما تضاد وتناف لا يمكن الجمع بينهما، واما على خلاف ذلك فلا يقوله محصل منهم.
والوجه في تكرير القصة بعد القصة في القرآن، أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة فلو لم تكن الانباء والقصص مكررة، لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم آخرين، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع، ويثبتها في كل قلب، ويزيد الحاضرين في الافهام وتكرار الكلام من جنس واحد، وبعضه يجري على بعض، كتكراره في:
قل يا أيها الكافرون، وسورة المرسلات، والرحمن فالوجه فيه، ان القرآن نزل بلسان القوم، ومذهبهم في التكرار - إرادة للتوكيد وزيادة في الافهام - معروف كما أن من مذهبهم الايجاز والاختصار إرادة للتخفيف وذلك أن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون، وخروجه من شئ إلى شئ، أحسن من اقتصاره من المقام على فن واحد. وقد يقول القائل: والله لأفعله ثم والله لأفعله، إذا أراد التوكيد كما يقول: افعله بحذف اللام إذا أراد الايجاز قال الله تعالى: " كلا سوف تعلمون