واما الناسخ فهو كل دليل شرعي يدل على زوال مثل الحكم الثابت بالنص الأول في المستقبل على وجه لو لاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه عنه. اعتبرنا دليل الشرع لان دليل العقل إذا دل على زوال مثل الحكم الثابت بالنص الأول لا يسمى نسخا. ألا ترى أن المكلف للعبادات، إذا عجز أو زال عقله، زالت عنه العبادة بحكم العقل، ولا يسمى ذلك الدليل ناسخا؟ واعتبرنا زوال مثل الحكم، ولم نعتبر الحكم نفسه لأنه لا يجوز أن ينسخ نفس ما أمر به، لان ذلك يؤدي إلى البداء. وإنما اعتبرنا أن يكون الحكم ثابتا بنص شرعي، لان ما ثبت بالعقل إذا أزاله الشرع لا يسمى بأنه نسخ حكم العقل. ألا ترى أن الصلاة والطواف لولا الشرع لكان قبيحا فعله في العقل وإذ أورد الشرع بهما لا يقال نسخ حكم العقل؟ واعتبرنا مع تراخيه عنه لان ما يقترن به لا يسمى نسخا وربما يكون تخصيصا إن كان اللفظ عاما أو مقيدا إن كان اللفظ خاصا ألا ترى أنه لو قال:
اقتلوا المشركين الا اليهود لم يكن قوله إلا اليهود نسخا لقوله اقتلوا المشركين؟
وكذا لو قال: فسيحوا في الأرض أربعة اشهر فقيد بهذه الغاية لا يقال لما بعدها نسخ. وكذا لما قال قي آية الزنا: فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (1) لا يقال لما زاد عليه منسوخ لأنه مقيد في اللفظ والنسخ يصح دخوله في الأمر والنهي بلا خلاف. والخبر ان تناول ما يصح تغييره عن صفة جاز دخول النسخ فيه لأنه في معنى الامر. ألا ترى أن قوله:
(ولله على الناس حج البيت) (2) خبر؟ وقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن) (3) أيضا خبر؟ وكذلك قوله: (ومن دخله كان آمنا) (4) خبر ومع ذلك يصح دخول النسخ فيه فاما ما لا يصح تغييره عن صفة فلا يصح دخول النسخ فيه، نحو الاخبار عن صفات الله تعالى، وصفات الأجناس