ما قلناه من التوكيد، كما يقول القائل: كلمته بلساني، ونظرت إليه بعيني، ويقال بين زيد وبين عمرو، وإنما البين واحد. والمراد بين زيد وعمرو وقال الشاعر أوس بن الحجر:
ألم تكسف الشمس شمس النهار * مع النجم والقمر الواجب (1) والشمس لا تكون إلا بالنهار، فأكد ذكرنا هذه الجملة تنبيها عن الجواب عما لم نذكره، ولعلنا نستوفيه فيما بعد إذا جرى ما يقتضي ذكره ولولا عناد الملحدين، وتعجرفهم، لما احتيج إلى الاحتجاج بالشعر وغيره للشئ المشتبه في القرآن، لان غاية ذلك أن يستشهد عليه ببيت شعر جاهلي، أو لفظ منقول عن بعض الاعراب، أو مثل سائر عن بعض أهل البادية. ولا تكون منزلة النبي صلى الله عليه وآله - وحاشاه من ذلك - أقل من منزلة واحد من هؤلاء. ولا ينقص عن رتبة النابغة الجعدي، وزهير بن الكعب وغيرهم ومن طرائف الأمور ان المخالف إذا أورد عليه شعر من ذكرناه، ومن هو دونهم سكنت نفسه، واطمأن قلبه وهو لا يرضى بقول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ومهما شك الناس في نبوته، فلا مربة في نسبه، وفصاحته، فإنه نشأ بين قومه الذين هم الغاية القصوى في الفصاحة، ويرجع إليهم في معرفة اللغة. ولو كان المشركون من قريش وغيرهم وجدوا متعلقا عليه في اللحن والغلط والمناقضة، لتعلقوا به، وجعلوه حجة وذريعة إلى اطفاء نوره وابطال امره، واستغنوا بذلك عن تكلف ما تكلفوه من المشاق في بذل النفوس والأموال. ولو فعلوا ذلك لظهر واشتهر، ولكن حب الالحاد والاستثقال لتحمل العبادات، والميل إلى الفواحش أعماهم وأصمهم، فلا يدفع أحد من الملحدين - وان جحدوا نبوته صلى الله عليه وآله - انه اتى بهذا القرآن، وجعله حجة لنفسه، وقرأه على العرب وقد علمنا أنه ليس بأدون الجماعة في الفصاحة وكيف يجوزان يحتج بشعر الشعراء عليه، ولا يجوز أن يحتج بقوله عليهم وهل هذا إلا عناد محض، وعصبية صرف؟ وإنما يحتج علماء