من النبي صلى الله عليه وآله لأنه لا يجوز ذلك من حيث ينفر عنه، ويجوز ذلك على الأمة بان يؤمروا بترك قراءتها، وينسونها على طول الأيام. ويجوز ان ينسيهم الله (تعالى) ذلك وان كانوا جمعا كثيرا، ويكون ذلك معجزا بمعنى الترك من قوله: " نسوا الله فنسيهم " (1) والأول عن قتادة، والثاني عن ابن عباس وقال معناه: نتركها لا نبدلها. وقال الزجاج: ننسها بمعنى نتركها خطأ، إنما يقال: نسيت بمعنى تركت، ولا يقال أنسيت بمعنى تركت وإنما معنى ننساها نتركها، اي ان نأمركم بتركها.
قال الرماني: إنما فسر المفسرون على ما يؤول إليه المعنى لأنه إذا امر بتركها، فقد تركها. فان قيل: إذا كان نسخ الآية رفعها، وتركها فما معنى ذلك إلا أن يترك، ولم جمع بينهما؟ قيل: ليس معنى تركها الا ان يترك، وقد غلط الزجاج في توهمه ذلك، وإنما معناه اقرارها، فلا ترفع، كما قال ابن عباس: يتركها، ولا نبدلها وإنما قال:
" ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير " تنبيها على أنه يقدر على آيات وسور مثل القرآن ينسخ بها امره لنا فيه بما أمرنا، فيقوم في النفع مقام المنسوخ. أو أكثر.
وقال بعضهم: معنى " أو " في الآية الواو، كان قال: ما ننسخ من ايه وننساها نأت بخير منها، فعلى هذا زالت الشبهة. فان قيل: اي تعلق بين هذه الآية وبين التي قبلها؟ قلنا: لما قال في الآية الأولى " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين ان ينزل عليكم من خير من ربكم " دل في هذه الآية على أنه جل وعز، لا يخليهم من إنزال خير إليهم، خلاف ما يود أعداؤه لهم: فان قيل: هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا؟ قلنا فيه خلاف بين الفقهاء، ذكرناه في أصول الفقه، وبين أصحابنا أيضا فيه خلاف، إلا أن يقوى في النفس جواز ذلك. وقد ذكرنا أدلة الفريقين، الشبه فيها في أصول الفقه - لا يحتمل ذكرها هذا المكان.
وإنما اخرنا ذلك، لان تلاوة القرآن، والعمل بما فيه تابع للمصلحة، ولا يمتنع ان تتغير المصلحة، تارة في التلاوة فتنسخ، وتارة في الحكم فينسخ، وتارة فيهما فينسخان. وكذلك لا يمتنع أن تكون المصلحة في أن تنسخ، تارة بقرآن، وتارة