شئ خلف شيئا، فقد انتسخه، ونسخت الشمس الظل، وانتسخ الشيب الشباب.
وقال صاحب العين: النسخ ان تزيل امرا كان من قبل يعمل به، ثم تنسخه بحادث غيره. كالآية نزل فيها امر، ثم يخفف الله عن العباد بنسخها بآية أخرى، فالآية الأولى منسوخة، والثانية ناسخة. وتناسخ الورثة أن تموت ورثة بعد ورثة واصل الميراث قائم لم يقسم، وكذلك تناسخ الأزمنة من القرون الماضية. واصل الباب:
الابدال من الشئ غيره. وقال الرماني: النسخ الرفع، لشئ قد كان يلزمه العمل به إلى بدل، وذلك كنسخ الشمس بالظل لأنه يصير بدلا منها - في مكانها - وهذا ليس بصحيح، لأنه ينتقض بمن تلزمه الصلاة قائما ثم يعجز عن القيام، فإنه يسقط عنه القيام لعجزه. ولا يسمى العجز ناسخا، ولا القيام منسوخا، وينتقض بمن يستبيح بحكم العقل عند من قال بالإباحة، فإذا ورد الشرع يحظره، لا يقال الشرع نسخ حكم العقل، ولا حكم العقل يوصف بأنه منسوخ، فإذا الأولى في ذلك ما ذكرناه في أول الكتاب: وهو ان حقيقة كل دليل شرعي دل على أن مثل الحكم الثابت بالنص الأول غير ثابت فيما بعد على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه عنه، فإذا ثبت ذلك، فالنسخ في الشرع: على ثلاثة أقسام.
نسخ الحكم دون اللفظ، ونسخ اللفظ دون الحكم، ونسخهما معا.
فالأول - كقوله: " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مأتين " إلى قوله: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مأة صابرة يغلبون مأتين " (1)، فكان الفرض الأول وجوب ثبات الواحد للعشرة، فنسخ بثبوت الواحد للاثنين، وغير ذلك من الآي المنسوخ، حكمها، وتلاوتها ثابتة، كآية العدة، وآية حبس من يأتي بالفاحشة، وغير ذلك والثاني - كآية الرجم. قيل إنها كانت منزلة فرفع لفظها وبقي حكمها.
والثالث - هو مجوز وان لم يقطع بأنه كان. وقد روي عن أبي بكر انه كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر (2)