بالسنة المقطوع بها. فذلك موقوف على الأدلة.
وقوله: " نأت بخير منها " لا يدل على أن السنة خير من القرآن، لان المراد بذلك نأت بخير منها من باب المصلحة. على أن قوله: " نأت بخير منها " فمن أين ان ذلك الخبر يكون ناسخا. فلا متعلق في الآية يمنع من ذلك. والأولى جوازه.
على أن هذا وإن كان جائزا، فعندنا انه لم يقع، لأنه لا شئ من ظواهر القرآن يمكن ان يدعى انه منسوخ بالسنة اجماعا، ولا بدليل يوجب العلم. وأعيان المسائل فيها خلاف، نذكر ما عندنا فيه - إذا مررنا بتأويل ذلك. واما ما روي عن ابن سعيد ابن المسيب من أنه كان يقرأ (أو تنسها) بالتاء المعجمة من فوق، وفتح السين - فشاذ، لا نلتفت إليه، لأنا قد بينا ان النبي " ص " لا يجوز عليه ان ينسى شيئا من وحي الله. وكذلك ما روي عن أبي رحا العطاردي " ننسها " بضم النون الأولى، وفتح الأخرى، وتشديد السين - ذكرها شاذة.
وفي الآية دليل على أن القرآن غير الله، وان الله هو المحدث له، والقادر عليه، لان ما كان بعضه خيرا من بعض، أو شرا من بعض، فهو غير الله لا محالة.
وفيها دليل ان الله قادر عليه، وما كان داخلا تحت القدرة، فهو فعل، والفعل لا يكون إلا محدثا، ولأنه لو كان قديما لما صح وجود النسخ فيه، لأنه إذا كان الجميع حاصلا فيما لم يزل، فليس بعضه بان يكون ناسخا، والاخر منسوخا بأولى من العكس. فان قيل: لم قال: " ألم تعلم أن الله " أو ما كان النبي " ص " عالما بان الله على كل شئ قدير؟ قلنا عنه جوابان:
أحدهما - ان معنى قوله: " ألم تعلم " اما علمت؟
والثاني - انه خرج ذلك مخرج التقرير، كما قال: " أأنت قلت للناس " (1).
وفيه جواب ثالث - انه خطاب للنبي " ص " والمراد أمته، بدلالة قوله بعد ذلك: " وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ".