خاطبهم الله بالعرف الذي يعرفونه: فقال بئس ما اعتاضوا من كفرهم بالله، وتكذيبهم محمدا " ص " إذا كانوا رضوا به عوضا من ثواب الله، وما أعد لهم - لو كانوا امنوا بالله وما انزل على أنبيائه - بالنار، وما أعد لهم بكفرهم بذلك ونظير هذه الآية قوله: في سورة النساء: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " إلى قوله: " وآتيناهم ملكا عظيما " (1).
وكان ذلك حسدا منهم لكون النبوة في غيرهم.
وقوله: " بغيا " نصب لأنه مفعول له. والمعنى فسادا. قال الأصمعي:
مأخوذ من قولهم: بغى الجرح إذا فسد. ويجوز أن يكون مأخوذا من شدة الطلب للمطاول. وسميت الزانية بغيا لأنها تطلب. واصل البغي الطلب. و " بغيا ان ينزل الله " اي لان ينزل الله. وكذلك كل ما في القرآن. ومثله قول الشاعر:
أتجزع أن بان الخليط المودع * وحبل الصفا من عزة المتقطع وقوله: " فباءوا بغضب على غضب " اي رجعوا. والمراد رجعت اليهود من بني إسرائيل بعد ما كانوا عليه من الاستنصار لمحمد " ص " في الاستفتاح به، وبعد ما كانوا يخبرون الناس من قبل مبعثه انه نبي مبعوث - مرتدين علي أعقابهم حين بعثه الله نبيا - بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم به وجحدهم بنبوته، وانكارهم إياه. وقال السدي: الغضب الأول حين عبدوا العجل، والثاني - حين كفروا بمحمد " ص ". وقال عطا وغيره: الغضب الأول - حين غيروا التوراة قبل مبعث محمد " ص ": والغضب الثاني - حين كفروا بمحمد " ص ". وقال عكرمة والحسن:
الأول - حين كفروا بعيسى " ع ": والثاني - حين كفروا بمحمد " ص ". وقد بينا ان الغضب من الله هو إرادة العقاب بهم.
وقوله: " وللكافرين بعذاب مهين " معناه للجاحدين بنبوة محمد " ص " عذاب مهين من الله: إما في الدنيا، وإما في الآخرة. و " مهين " هو المذل لصاحبه