ينظر فيما يقتضيه ظاهر الآية وإعرابها، فيبني على مقتضاها الغسل إن وافقه، أو المسح إن طابقه. وكلامك هذا يقتضي سبلا من الغسل وأنه حكم الآية حتى يثبت عليه اعراب الأرجل بالنصب، وهذا هو ضد الواجب.
وقد بينا في مسائل الخلاف أن القراءة بالجر أولى من القراءة بالنصب، لأنا إذا نصبنا الأرجل فلا بد من عامل في هذا النصب، فإما أن تكون معطوفة على الأيدي، أو يقدر لها عامل محذوفا "، أو تكون معطوفة على موضع الجار والمجرور في قوله (برؤوسكم) ولا يجوز أن تكون معطوفة علي الأيدي، لبعدها من عامل النصب في الأيدي، ولأن أعمال العامل الأقرب أولى من أعمال الأبعد.
وذكرنا قوله تعالى ﴿آتوني افرغ عليه قطرا "﴾ (1) وقوله (هاؤم اقرؤا كتابيه) (2) وقوله تعالى (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ") (3).
وذكرنا ما هو أوضح من هذا كله، وهو أن القائل إذا قال: ضربت عبد الله، وأكرمت خالدا " وبشرا "، إن رد بشرا " إلى حكم الجملة الماضية التي قد انقطع حكمها ووقع الخروج عنها لحن وخروج عن مقتضى اللغة، وقوله تعالى (اغسلوا وجوهكم وأيديكم) جملة مستقلة بنفسها، وقد انقطع حكمها بالتجاوز لها إلى جملة أخرى، وهو قوله (وامسحوا برؤوسكم).
ولا يجوز أن تنصب الأرجل بمحذوف مقدر، لأنه لا فرق بين أن تقدر محذوفا " هو الغسل، وبين أن تقدر محذوفا " هو المسح، ولأن الحذف لا يصار إليه إلا عند الضرورة. وإذا استقل الكلام بنفسه من غير تقدير محذوف، لم يجز حمله على محذوف.