فقد علمنا أن ذلك لا يكون في وقت ما يؤخذ الزكاة لان ثمرته لو بلغت مقدار ما يجب فيه الزكاة لم يحط عنه شئ مما وجب عليه فيها فأخذ منه ما وجب عليه فيها بكماله هذا مما اتفق عليه المسلمون ولكن الحطيطة المذكورة في هذا الحديث إنما هي قبل ذلك في وقت ما يأكل من الثمرة أهلها قبل أوان أخذ الزكاة منها فأمر الخراص أن يلقوا مما يخرصون المقدار المذكور في هذا الحديث لئلا يحتسب به على أهل الثمار في وقت أخذ الزكاة منهم وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر الخراص بذلك أيضا حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو بكر بن عياش عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سعيد بن المسيب قال بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهل بن أبي حثمة يخرص على الناس فأمره إذا وجد القوم في نخلهم أن لا يخرص عليهم ما يأكلون فهذا أيضا دليل على ما ذكرنا وقد روى عن أبي حميد الساعدي أيضا في صفة خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذكرنا حدثنا إبراهيم بن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قالا ثنا الوحاظي ح وحدثنا علي بن عبد الرحمن وأحمد بن داود قالا ثنا القعنبي قالا ثنا سليمان بن بلال قال ثنا عمرو بن يحيى المازني عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة امرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرصوها فخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرصناها عشرة أوسق وقال أحصيها حتى أرجع إليك إن شاء الله تعالى فلما قدمناها سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حديقتها كم بلغ تمرها قالت عشرة أوسق ففي هذا الحديث أيضا أنهم خرصوها وأمروها بأن تحصيها حتى يرجعوا إليها فذلك دليل على أنها لم تملك بخرصهم إياها ما لم تكن مالكة له قبل ذلك وإنما أرادوا بذلك أن يعلموا مقدار ما في نخلها خاصة ثم يأخذون منها الزكاة في وقت الصرام على حسب ما يجب فيها فهذا هو المعنى في هذه الآثار عندنا والله أعلم وقد قال قوم في الخرص غير هذا القول قالوا إنه قد كان في أول الزمان يفعل ما قال أهل المقالة الأولى من تمليك الخراص أصحاب الثمار حق الله فيها وهي رطب ببدل يأخذونه منهم تمرا ثم نسخ ذلك بنسخ الربا فردت الأمور إلى أن لا يؤخذ في الزكوات إلا ما يجوز في البيعات
(٤٠)