في وقت قد أحرم فيه بعمرة يريد بها التمتع إلى الحجة لأنه لو لم يكن فعل ذلك لكان هديه ذلك تطوعا والتطوع من الهدى غير مانع من الاحلال الذي يكون لو لم يكن الهدى فدل ذلك على أن إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولا بعمرة ثم أتبعها حجة على السبيل الذي ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب ولما ثبت بما وصفنا إباحة العمرة في أشهر الحج أردنا أن ننظر هل الهدى الواجب في القران كان لنقصان دخل العمرة أو الحجة إذا قرنتا أم لا فرأينا ذلك الهدى يؤكل منه وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في الحديث الطويل قال وكان علي رضي الله عنه قدم من اليمن بهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جماعة الهدى الذي قدم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من اليمن مائة بدنة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين بيده ونحر علي رضي الله عنه سبعة وثلاثين فأشرك عليا في هديه ثم أخذ من كل بدنه بضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رضي الله عنه من لحمها وشرب من مرقها فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه بما ذكرنا قبل هذا الفصل أنه قرن وأنه كان عليه لذلك هدى ثم أهدى هذه البدن التي ذكرنا فأكل من كل بدنة ما وصفنا ثبت بذلك إباحة الاكل من هدى المتعة والقران فلما كان ذلك الهدى مما يؤكل منه اعتبرنا حكم الدماء الواجبة للنقصان هل هي كذلك أم لا فرأينا الدم الواجب من قص الأظافر وحلق الشعر والجماع وكل دم يجب لترك شئ من الحجة لا يؤكل شئ من ذلك فكان كل دم وجب لإساءة أو لنقصان لا يؤكل منه وكان دم المتعة والقران يؤكل منهما فثبت بذلك أنهما وجبا لمعنى خلاف الإساءة والنقصان فهذه حجة قاطعة على من كره القران والتمتع بالعمرة إلى الحج ثم الكلام بعد ذلك بين الذين جوزوا التمتع والقران في تفضيل بعضهم القران على التمتع وفي تفضيل الآخرين التمتع على القران فنظرنا في ذلك فكان في القران تعجيل الاحرام بالحج وفي التمتع تأخيره فكان ما عجل من الاحرام بالحج فهو أفضل وأتم لذلك الاحرام
(١٥٩)