فنظرنا في ذلك فإذا حفصة رضي الله عنها قد دل حديثها هذا على أن ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة لأنه كان منه بعد ماحل الناس وقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف قبل ذلك أو لم يطف فإن كان قد طاف قبل ذلك ثم أحرم بالحجة من بعد فإنما كان متمتعا ولم يكن قارنا لأنه إنما أحرم بالحجة بعد فراغه من طواف العمرة وان لم يكن طاف قبل ذلك حتى أحرم بالحجة فقد كان قارنا لأنه قد لزمته الحجة قبل طوافه للعمرة فلما احتمل ذلك ما ذكرنا كان أولى الأشياء بنا أن نحمل هذه الآثار على ما فيه اتفاقها لا على ما فيه تضادها فكان علي بن أبي طالب وابن عباس وعمران بن حصين وعائشة قد روينا عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع وروينا عنهم أنه قرن وقد ثبت من قوله ما يدل على أنه قدم مكة ولم يكن أحرم بالحج قبل ذلك فان جعلنا إحرامه بالحجة كان قبل الطواف للعمرة ثبت الحديثان جميعا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان متمتعا إلى أن أحرم بالحجة فصار قارنا وإن جعلنا إحرامه بالحجة كان بعد طوافه للعمرة جعلناه متمتعا ونفينا أن يكون قارنا فجعلناه متمتعا في حال وقارنا في حال فثبت بذلك أن طوافه للعمرة كان بعد إحرامه بالحجة فثبت بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في حجة الوداع قارنا فقال قائل ممن كره القران والتمتع لمن استحبهما اعتللتم علينا بقول الله عز وجل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى في إباحة المتعة وليس ذلك كذلك وإنما تأويل هذه الآية ما روى عن عبد الله بن الزبير فذكر ما حدثنا محمد بن الحجاج ونضر بن مرزوق قالا ثنا الحصيب بن ناصح قال ثنا وهيب بن خالد عن إسحاق بن سويد قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يخطب يقول يا أيها الناس ألا انه والله ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدوه أو مرض أو أمر بعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت فيطوف به سبعا ويسعى بين الصفا والمروة ويتمتع بحله إلى العام المقبل فيحج ويهدى حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا إسحاق بن سويد فذكر نحو قال فهذا تأويل هذه الآية قيل لهم لئن وجب أن يكون تأويلها كذلك لقول بن الزبير فان تأويلها أحرى أن لا يكون كذلك
(١٥٦)