فدل ذلك أيضا أن ما أمر به بن عمر رضي الله عنه وأخبر أنه سنة محمد صلى الله عليه وسلم هو ركوب البدنة في حال الضرورة ثم التمسنا حكم ركوب الهدى في غير حال الضرورة هل نجد له ذكرا في غير هذه الآثار فإذا فهد قد حدثنا قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اركبوا الهدى بالمعروف حتى تجدوا ظهرا حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم ح وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قالا ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه في ركوب الهدى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا فأباح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ركوبها في حال الضرورة ومنع من ذلك إذا ارتفعت الضرورة ووجد غيرها فثبت بذلك أن هذا حكم الهدى من طريق الآثار تركب للضرورات وتترك لارتفاع الضرورات ثم اعتبرنا حكم ذلك من طريق النظر كيف هو فرأينا الأشياء على ضربين فمنها ما الملك فيها متكامل لم يدخله شئ يزيل عنه شيئا من أحكام الملك كالعبد الذي لم يدبره مولاه وكالأمة التي لم تلد من مولاها وكالبدنة التي لم يوجبها صاحبها فكل ذلك جائز بيعه وجائز الانتفاع به وجائز تمليك منافعه بإبدال وبلا إبدال ومنها ما قد دخله شئ منع من بيعه ولم يزل عنه حكم الانتفاع به من ذلك أم الولد التي لا يجوز لمولاها بيعها والمدبر في قول من لا يرى بيعه فذلك لا بأس بالانتفاع به وبتمليك منافعه للذي يريد أن ينتفع بها ببدل أو بلا بدل فكان ماله أن ينتفع به فله أن يملك منافعه من شاء بإبدال وبلا أبدال ثم رأينا البدنة إذا أوجبها ربها فكل قد أجمع أنه لا يجوز له أن يؤاجرها ولا يتعوض بمنافعها بدلا فلما كان ليس له تمليك منافعها ببدل كان كذلك ليس له الانتفاع بها ولا يكون له الانتفاع بشئ إلا شئ له التعوض بمنافعه إبدالا منها فهذا هو النظر أيضا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
(١٦٢)