فيحتمل أن يكون الذين قالوا إنه قرن سمعوا تلبيته في المسجد بالعمرة ثم سمعوا بعد ذلك تلبيته الأخرى خارجا من المسجد بالحج خاصة فعلموا أنه قرن وسمعه الذين قالوا إنه أفرد وقد لبى بالحج خاصة ولم يكونوا سمعوا تلبيته قبل ذلك بالعمرة فقالوا أفرد وسمعه قوم أيضا وقد لبى في المسجد بالعمرة ولم يسمعوا تلبيته بعد خروجه منه بالحج ثم رأوه بعد ذلك يفعل ما يفعل الحاج من الوقوف بعرفة وما أشبه ذلك وكان ذلك عندهم بعد خروجه من العمرة فقالوا تمتع فروى كل قوم ما علموا وقد دخل جميع ما علمه الذين قالوا أفرد وما علمه الذين قالوا إنه تمتع فيما علم الذين قالوا إنه قرن لأنهم أخبروا عن تلبيته بالعمرة ثم عن تلبيته بالحجة بعقب ذلك فصار ما ذهبوا إليه من ذلك وما رووا أولى مما ذهب إليه من خالفهم وما رووا ثم قد وجدنا بعد ذلك أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه كان قارنا وذلك أنه عليه السلام لا يختلف عنه أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من كان ساق منهم هديا وثبت هو على إحرامه فلم يحل منه إلا في وقت ما يحل الحاج من حجه وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة فمن كان ليس معه هديا فليحل وليجعلها عمرة هكذا حكاه عنه جابر بن عبد الله وهو ممن يقول إنه أفرد وسنذكر ذلك وما روى فيه في باب فسخ الحج إن شاء الله تعالى فلو كان إحرامه ذلك كان بحجة لكان هديه الذي ساقه تطوعا فهدى التطوع لا يمنع من الاحلال الذي يحله الرجل إذا لم يكن معه هدى ولكان حكمه صلى الله عليه وسلم وإن كان قد ساق هديا كحكم من لم يسق هديا لأنه لم يخرج على أن يتمتع فيكون ذلك الهدى للمتعة فتمنعه من الاحلال الذي كان يحله لو لم يسق هديا ألا ترى أن رجلا لو خرج يريد التمتع فأحرم بعمرة أنه إذا طاف لها وسعى وحلق حل منها ولو كان ساق هديا لمتعته لم يحل حتى يوم النحر ولو ساق هديا تطوعا حل قبل يوم النحر بعد فراغه من العمرة فثبت بذلك أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قد منعه من الاحلال وأوجب ثبوته على الاحرام إلى يوم النحر أن حكمه غير حكم هدى التطوع فانتفى بذلك قول من قال إنه كان مفردا وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب عن حفصة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر فدل ذلك على ما ذكرنا وعلى أن ذلك الهدي كان هديا بسبب عمرة يراد بها قران أو متعة
(١٥٥)