ولأمورهم راعيا، فتولوني ذلك، وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
غير أني لا أنفك من طاعن يبلغني، فيقول بخلاف قول العامة، فيتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك، فعدلوا بهذا الأمر عنكما (وعلى رسلكم بني هاشم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم).
فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال:
إي والله! وأخرى يا بني هاشم على رسلكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم، ولم نأتك حاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم وللعامة!.
فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
إن الله ابتعث محمدا نبيا كما وصفت ووليا للمؤمنين، فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت الأمر هذا فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم، ما تقدمنا في أمركم فرطا ولا حللنا منكم وسطا وبرحنا شحطا، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين؟ وما أبعد قولك: إنهم طعنوا عليك من قولك: إنهم مالوا إليك! وأما ما بذلت لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض، وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها