قالت: أنى لي بعلم ما لم أعلم؟ قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر والواقفة بين الصفين [يوم صفين] تحضين على القتال وتوقدين الحرب؟ فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب، ولم يعد ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعد الأمر، قال لها معاوية: [صدقت] أتحفظين كلامك؟ [يوم صفين] قالت: لا والله! لا أحفظه، ولقد أنسيته، قال: لكني أحفظه، لله أبوك! حين تقولين:
أيها الناس! ارعووا وارجعوا، إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من فتنة عمياء صماء بكماء.
لا تسمع لنا عقها ولا تنساق لقائدها، إن المصباح لا يضئ في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه. أيها الناس! إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معشر المهاجرين [والأنصار] على الغصص، فكان قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة العدل، ودمغ الحق باطله، فلا يجهلن أحد، فيقول: كيف [العدل] وأنى؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده، والصبر خير في الأمور عواقبا، إيها في الحرب قدما غير ناكصين ولا متشاكسين.
ثم قال لها: والله يا زرقاء! لقد شركت عليا في كل دم سفكه.
قالت: أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك! فمثلك بشر بخير وسر جليسه، قال لها: أو يسرك ذلك؟ قالت: نعم والله لقد سررت بالخير، فأنى لي بتصديق الفعل؟ فضحك معاوية وقال: والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته! اذكري حاجتك.
قالت: يا أمير المؤمنين آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا، ومثلك أعطى عن غير مسألة وجاد من غير طلبة، قال: صدقت! وأمر لها وللذين